معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَالَ ٱلۡمَلَأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوۡمِهِۦٓ إِنَّا لَنَرَىٰكَ فِي سَفَاهَةٖ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (66)

قوله تعالى : { قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك } يا هود .

قوله تعالى : { في سفاهة } ، في حمق وجهالة ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : تدعونا إلى دين لا نعرفه .

قوله تعالى : { وإنا لنظنك من الكاذبين } ، أنك رسول الله إلينا .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ ٱلۡمَلَأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوۡمِهِۦٓ إِنَّا لَنَرَىٰكَ فِي سَفَاهَةٖ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (66)

59

وكأنما كبر على الملأ الكبراء من قومه أن يدعوهم واحد من قومهم إلى الهدى ، وأن يستنكر منهم قلة التقوى ؛ ورأوا فيه سفاهة وحماقة ، وتجاوزا للحد ، وسوء تقدير للمقام ! فانطلقوا يتهمون نبيهم بالسفاهة وبالكذب جميعاً في غير تحرج ولا حياء :

( قال الملأ الذين كفروا من قومه : إنا لنراك في سفاهة ، وإنا لنظنك من الكاذبين ) . .

هكذا جزافاً بلا تروّ ولا تدبر ولا دليل !

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ ٱلۡمَلَأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوۡمِهِۦٓ إِنَّا لَنَرَىٰكَ فِي سَفَاهَةٖ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (66)

فُصِلت جملة : { قال يا قوم } ولم تعطف بالفاء كما عطف نظيرها المتقدّم في قصّة نوح ؛ لأنّ الحال اقتضى هنا أن تكون مستأنفة استئنافاً بيانياً لأنّ قصّة هود لما وردت عقب قصّة نوح المذكور فيها دعوتُه قومه صار السّامع مترقباً معرفة ما خاطب به هود قومه حيث بعثه الله إليهم ، فكان ذلك مثار سؤال في نفس السّامع أن يقول : فماذا دَعا هُودٌ قومه وبماذا أجابوا ؟ فيقع الجواب بأنّه قال : يا قوم اعبدوا الله إلخ مع ما في هذا الاختلاف من التّفنّن في أساليب الكلام ، ولأنّ الفعل المفرع عنه القولُ بالعطف لما كان محذوفاً لم يكن التّفريع حسناً في صورة النّظم .

والرّبطُ بين الجمل حاصل في الحالتين لأنّ فاء العطف رابط لفظيٌ للمعطوف بالمعطوف عليه ، وجواب السؤال رابط جملة الجواب بجملة مثار السؤال ربطاً معنوياً .

وجملة : { ما لكم من إله غيره } مستأنفة ابتدائيّة . وقد شابهت دعوةُ هود قومَه دعوةَ نوح قومَه في المهم من كلامها : لأنّ الرّسل مرسَلون من الله والحكمة من الإرسال واحدة ، فلا جرم أن تتشابه دعواتهم ، وفي الحديث : " الأنبياء أبناء عَلاّتٍ " وقال تعالى : { شَرع لكم من الدّين مَا وصّى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصّينا به إبراهيم وموسى وعيسى } [ الشورى : 13 ] .

وجملة : { أفلا تتقون } استفهامية إنكارية معطوفة بفاء التّفريع على جملة : { ما لكم من إله غيره } . والمراد بالتّقوى الحذر من عقاب الله تعالى على إشراكهم غيرَه في العبادة واعتقادِ الإلهيّة . وفيه تعريض بوعيدهم إن استمروا على ذلك . وإنَّما ابتدأ بالإنكار عليهم إغلاظاً في الدّعوة وتهويلاً لفظاعة الشّرك ، إن كان قال ذلك في ابتداء دعوته ، ويحتمل أنّ ذلك حكاية قولٍ من أقواله في تكرير الدّعوة بعد أن دعاهم المرّة بعد المرة ووعظهم ، كما قال نوح { إني دعوتُ قومي ليلا ونهاراً } [ نوح : 5 ] كما اقتضاه بعض توجيهات تجريد حكاية كلامه عن فاء التّفريع المذكور آنفاً .

ووصْفُ الملإ ب { الذين كفروا } هنا ، دون ما في قصّة نوح ، وصْفٌ كاشِف وليس للتّقييد تَفَنُّناً في أساليب الحكاية ألا ترى أنّه قد وُصف ملأُ قوم نوح ب { الذين كفروا } في آية سورة هود ، والتّوجيه الذي في « الكشاف » هنا غفلة عمّا في سورة هُود .

والرّؤية قلبيّة ، أي أنّا لنعلم أنّك في سفاهة .

والسّفاهة سخافة العقل ، وقد تقدّم القول في هذه المادة عند قوله تعالى : { قالوا أنؤمن كما آمن السّفهاء } [ البقرة : 13 ] وقوله { ومن يرغب عن ملّة إبراهيم إلاّ من سفَه نفسه } في سورة البقرة ( 130 ) . جعلوا قوله : { ما لكم من إله غيره } كلاماً لا يصدر إلاّ عن مختل العقل لأنّه من قول المحال عندهم .

وأطلقوا الظنّ على اليَقين في قولهم : { وإنَّا لنظنّك من الكاذبين } وهو استعمال كثير كما في قوله تعالى : { الذين يظنّون أنّهم ملاقوا ربّهم } وقد تقدّم في سورة البقرة ( 46 ) ، وأرادوا تكذيبه في قوله ما لكم من إله غيره } ، وفيما يتضمّنه قولُه ذلك من كونه رسولاً إليهم من الله .

وقد تشابهت أقوال قوم هود وأقوالُ قوم نوح في تكذيب الرّسول لأنّ ضلالة المكذّبين متّحدة ، وشبهاتهم متّحدة ، كما قال تعالى : { تشابهت قلوبهم } [ البقرة : 118 ] فكأنّهم لَقَّن بعضُهم بعضاً كما قال تعالى : { أتوَاصَوْا به بل هم قوم طاغون } [ الذاريات : 53 ] .