اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالَ ٱلۡمَلَأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوۡمِهِۦٓ إِنَّا لَنَرَىٰكَ فِي سَفَاهَةٖ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (66)

الثالث : قال في قصَّة نُوحٍ { قَالَ الملأ مِن قَوْمِهِ } .

وقيل : في هود : { قَالَ الملأ الذين كَفَرُواْ } فوصف الملأ بالكُفْرِ ، ولم يُوصَفُوا في قصَّة نوح ، والفرقُ أنَّهُ كان في أشْرَاف قوم هُودٍ مَنْ آمنَ بِهِ مِنْهُم مرْثَدُ بْنُ سَعْدٍ أسْلَمَ ، وكان يكتمُ إيمانَهُ بخلاف قَوْم نُوحٍ ، لأنَّه لم يؤمن منهم أحَدٌ{[16411]} .

قاله الزَّمخشريُّ{[16412]} وغيره ، وفيه نَظَرٌ لقوله تعالى : { لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ } [ هود : 36 ] وقال : { وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ } [ هود : 40 ] ويحتمل أنَّ حال مخاطبة نُوحٍ لقومِهِ لم يُؤمِنْ منهم أحَدٌ بعدُ ثمَّ آمنوا ، بخلاف قصَّةِ هود فإنَّهُ حال خطابهم كان فيهم مُؤمن ويحتملُ أنها صفة لمُجَرَّدِ الذَّمِّ من غير قَصْدِ تميزٍ بها .

الرابع : حكي عن قَوْم نُوح قولهم : { إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } وحكي عن قوم هُود قولهم : { إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكاذبين } [ الأعراف : 66 ] الفرقُ أنَّ نُوحاً خوف الكُفَّارَ بالطُّوفانِ العام وكان مشتغلاً بإعْدَادِ السَّفينةِ ، فلذلك قالوا : { إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } حيثُ تُتْعِبُ نَفْسَكَ في إصلاح سفينة كبيرةٍ في مفازة ليس فيها قَطْرَةٌ من المَاءِ ، ولم يظهر شيءٌ من العلامات تدلُّ على ظهورِ المَاءِ في تلك المَفَازة .

وأمَّا هود فلم يذكر شيئاً إلا أنه زَيَّفَ عبادة الأوثان ، ونسب من اشتغل بعبادتها إلى السَّفَاهَةِ وقلَّةِ العَقْل ، فلَّما سفَّهَهُم قابلوه بمثله ، ونسبُوهُ إلى السَّفاهةِ ، ثم قالوا : { وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكاذبين } في ادِّعَاءِ الرِّسالة .

قال ابنُ عبَّاسٍ : في سفاهة أي تدعو إلى دينٍ لا نقر به .

وقيل : في حُمْقِ ، وخفَّةِ عَقْلٍ ، وجهالةٍ .

{ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكاذبين } اختلفُوا في هذا الظن فقيل : المرادُ القَطْعُ والجزم كقوله تعالى : { الذين يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ } [ البقرة : 46 ] وهو كثير .

وقال الحسنُ والزَّجَّاجُ{[16413]} : كان ظنّاً لا يقيناً ، كفرُوا به ظانين لا متيقّنين وهذا يَدُلُّ على أنَّ حصول الشَّكِّ والتَّجويز في أصول الدِّين يوجبُ الكفر .


[16411]:المصدر السابق.
[16412]:ينظر: الكشاف 2/116.
[16413]:ينظر: تفسير الرازي 14/127.