مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{قَالَ ٱلۡمَلَأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوۡمِهِۦٓ إِنَّا لَنَرَىٰكَ فِي سَفَاهَةٖ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (66)

والفرق الثالث : قال تعالى في قصة نوح : { قال الملأ من قومه } وقال في قصة هود : { قال الملا الذين كفروا من قومه } والفرق أنه كان في أشراف قوم هود من آمن به ، منهم مرثد بن سعد ، أسلم وكان يكتم إيمانه فأريدت التفرقة بالوصف ولم يكن في أشراف قوم نوح مؤمن .

والفرق الرابع : أنه تعالى حكى عن قوم نوح أنهم قالوا : { إنا لنراك في ضلال مبين } وحكى عن قوم هود أنهم قالوا : { إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين } والفرق بين الصورتين أن نوحا عليه السلام كان يخوف الكفار بالطوفان العام وكان أيضا مشتغلا بإعداد السفينة وكان يحتاج إلى أن يتعب نفسه في إعداد السفينة ، فعند هذا ، القوم قالوا : { إنا لنراك في ضلال مبين } ولم يظهر شيء من العلامات التي تدل على ظهور الماء في تلك المفازة ، أما هود عليه السلام فما ذكر شيئا إلا أنه زيف عبادة الأوثان ونسب من اشتغل بعبادتها إلى السفاهة وقلة العقل . فلما ذكر هود هذا الكلام في أسلافهم قابلوه بمثله ونسبوه إلى السفاهة ثم قالوا : { وإنا لنظنك من الكاذبين } في ادعاء الرسالة واختلفوا في تفسير هذا الظن فقال بعضهم : المراد منه القطع والجزم ، وورود الظن بهذا المعنى في القرآن كثير قال تعالى : { الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم } وقال الحسن والزجاج : كان تكذيبهم إياه على الظن لا على اليقين فكفروا به ظانين لا متيقنين ، وهذا يدل على أن حصول الشك والتجويز في أصول الدين يوجب الكفر .