يحتمل أن يكون الضمير في { نسلكه } يعود على الاستهزاء والشرك ونحوه - وهو قول الحسن وقتادة وابن جرير وابن زيد - ويكون الضمير في { به } يعود أيضاً على ذلك بعينه ، وتكون باء السبب ، أي لا يؤمنون بسبب شركهم واستهزائهم ، ويكون قوله : { لا يؤمنون به } في موضع الحال .
ويحتمل أن يكون الضمير في { نسلكه } عائداً على الذكر المحفوظ المتقدم الذكر وهو القرآن ، أي مكذباً به مردوداً مستهزأ به ندخله في قلوب المجرمين ، ويكون الضمير في { به } عائداً عليه أيضاً أي لا يصدقون به .
ويحتمل أن يكون الضمير في { نسلكه } عائداً على الاستهزاء والشرك ، والضمير في { به } يعود على القرآن ، فيختلف - على هذا - عود الضميرين .
والمعنى في ذلك كله ينظر بعضه إلى بعض .
و { نسلكه } معناه : ندخله ، يقال : سلكت الرجل في الأمر ، أي أدخلته فيه ، ومن هذا قول الشاعر [ عدي بن زيد ] : [ الوافر ] .
وكنت لزاز خصمك لم أعرد . . . وقد سلكوك في يوم عصيب{[7136]}
ومنه قول الآخر [ عبد مناف بن ربع الهذلي ] : [ البسيط ]
حتى إذا سلكوهم في قتايدة . . . شلاكما تطرد الجمالة الشردا{[7137]}
ومنه قول أبي وجزة يصف حمر وحش : [ البسيط ]
حتى سلكن الشوى منهن في مسك . . . من نسل جوابة الآفاق مهداج{[7138]}
قال الزجاج : ويقرأ : «نُسلِكه » بضم النون وكسر اللام ، و { المجرمين } في هذه الآية يراد بهم كفار قريش ومعاصري محمد صلى الله عليه وسلم .
استئناف بياني ناشىء عن سؤال يخطر ببال السامع لقوله { وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزءون } [ سورة الحجر : 11 ] فيتساءل كيف تواردت هذه الأمم على طريق واحد من الضلال فلم تفدهم دعوة الرسل عليهم السلام كما قال تعالى : { أتواصوا به بل هم قوم طاغون } [ سورة الذاريات : 53 ] .
والجملة مستأنفة استئنافاً بيانياً ناشئاً عن جملة { وإنا له لحافظون } [ سورة الحجر : 9 ] ؛ إذ قد يخطر بالبال أن حفظ الذكر يقتضي أن لا يكفر به من كفر . فأجيب بأن ذلك عقاب من الله لهم لإجرامهم وتلقّيهم الحق بالسخرية وعدم التدبر ، ولأجل هذا اختير لهم وصف المجرمين دون الكافرين لأن وصف الكفر صار لهم كاللقب لا يشعر بمعنى التعليل . ونظيره قوله في الآية الأخرى { وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم } [ سورة التوبة : 125 ] .
والتعبير بصيغة المضارع في { نسلكه } للدلالة على أن المقصود إسلاك في زمن الحال ، أي زمن نزول القرآن ، ليعلم أن المقصود بيان تلقي المشركين للقرآن ، فلا يتوهم أن المراد بالمجرمين شيع الأولين مع ما يفيده المضارع من الدلالة على التجديد المناسب لقوله : { وقد خلت سنة الأولين } ، أي تجدد لهؤلاء إبلاغ القرآن على سنة إبلاغ الرسالات لمن قبلهم .
وفيه تعريض بأن ذلك إعذار لهم ليحل بهم العذاب كما حل بمن قبلهم .
والمشار إليه بقوله : { كذلك } هو السلك المأخوذ من { نسلكه } على طريقة أمثالها المقررة في قوله تعالى : { وكذلك جعلناكم أمّة وسطاً } في سورة البقرة ( 143 ) .
والسلك : الإدخال . قال الأعشى :
كما سَلَك السّكّي في الباب فَيْتَق
أي مثل السلك الذي سنصفه نسلك الذكر في قلوب المجرمين ، أي هكذا نولج القرآن في عقول المشركين ، فإنهم يسمعونه ويفهمونه إذ هو من كلامهم ويدركون خصائصه ؛ ولكنه لا يستقر في عقولهم استقرار تصديق به بل هم مكذبون به ، كما قال تعالى : { وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيّكم زادته هذه إيماناً فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون } [ سورة التوبة : 124 125 ] .
وبهذا السلوك تقوم الحجة عليهم بتبليغ القرآن إليهم ويعاد إسماعهُم إياه المرة بعد المرة لتقوم الحجة .
فضمير { نسلكه } و { به } عائدان إلى { الذكر } في قوله : { إنا نحن نزلنا الذكر } [ سورة الحجر : 9 ] أي القرآن .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.