غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{كَذَٰلِكَ نَسۡلُكُهُۥ فِي قُلُوبِ ٱلۡمُجۡرِمِينَ} (12)

1

قوله { كذلك نسلكه } السلك إدخال الشيء في الشيء كالخيط في المخيط . وقالت الأشاعرة : الضمير في { نسلكه } يجب عوده إلى أقرب المذكورات وهو الاستهزاء الدال عليه { يستهزءُون } وأما الضمير في قوله { لا يؤمنون به } فيعود إلى الذكر لأنه لو عاد إلى الاستهزاء وعدم الإيمان بالاستهزاء حق وصواب لم يتوجه اللوم على الكفار ، ولا يلزم من تعاقب الضمائر عودها على شيء واحد وإن كان الأحسن ذلك . والحاصل أن مقتضى الدليل عود الضمير إلى الأقرب إلا إذا منع مانع من اعتباره .

وقال بعض الأدباء منهم : قوله { لا يؤمنون به } تفسير للكناية في قوله { نسلكه } أي نجعل في قلوبهم أن لا يؤمنوا به فثبتت دلالة الآية على أن الكفر والضلال والاستهزاء ونحوها من الأفعال كلها بخلق الله وإيجاده . وقالت المعتزلة : الضميران يعودان إلى الذكر لأنه شبه هذا السلك بعمل آخر قبله وليس إلا تنزيل الذكر . والمعنى مثل ذلك الفعل نسلك الذكر في قلوب المجرمين . ومحل { لا يؤمنون به } نصب على الحال أي غير مؤمن به أو هو بيان لقوله { كذلك نسلكه } والحاصل أنا نلقيه في قلوبهم مكذباً مستهزأً به غير مقبول نظيره ما إذا أنزلت بلئيم حاجة فلم يجبك إليها فقلت : كذلك أنزلها باللئام تعني مثل هذا الإنزال أنزلها بهم مردودة غير مقضية . واعترض بأن النون إنما يستعمله الواحد المتكلم إظهاراً للعظمة والجلال ومثل هذا التعظيم إنما يحسن ذكره إذا فعل فعلاً يظهر له أثر قويّ كامل ، أما إذا فعل بحيث يكون منازعه ومدافعه غالباً عليه فإنه يستقبح ذكره على سبيل التعظيم ، والأمر ههنا كذلك لأنه تعالى سلك استماع القرآن وتحفيظه وتعليمه في قلب الكافر لأجل أن يؤمن به ، ثم إنه لم يلتفت إليه ولم يؤمن به فصار فعل الله كالهدر الضائع وصار الشيطان كالغالب المدافع فكيف يحسن ذكر النون المشعر بالتعظيم في هذا المقام ؟ أما قوله { وقد خلت سنة الأولين } فقيل : أي طريقتهم التي بينها الله في إهلاكهم حين كذبوا برسلهم وبالذكر المنزل عليهم ، وهذا يناسب تفسير المعتزلة ، وفيه وعيد لأهل مكة على تكذيبهم . وقيل : قد مضت سنة الله في الأولين بأن يسلك الكفر والضلال في قلوبهم وهذا قول الزجاج ، ويناسب تفسير الأشاعرة .

/خ50