الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{كَذَٰلِكَ نَسۡلُكُهُۥ فِي قُلُوبِ ٱلۡمُجۡرِمِينَ} (12)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{كذلك نسلكه}، يعني: هكذا نجعله، يعني: الكفر... {في قلوب المجرمين} يعني: كفار مكة...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: كما سلكنا الكفر في قلوب شيع الأوّلين. بالاستهزاء بالرسل، كذلك نفعل ذلك في قلوب مشركي قومك الذين أجرموا بالكفر بالله. "لا يُؤمِنُونَ بِهِ "يقول: لا يصدّقون بالذكر الذي أنزل إليك. والهاء في قوله: "نَسْلُكُهُ" من ذكر الاستهزاء بالرسل والتكذيب بهم... عن قتادة: "كذلكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ المُجْرِمِينَ لا يؤمنون به"، قال: إذا كذبوا سلك الله في قلوبهم أن لا يؤمنوا به...

وقوله: "وَقَدْ خَلَتْ سُنّةُ الأوّلِينَ" يقول تعالى ذكره: لا يؤمن بهذا القرآن قومك الذين سلكت في قلوبهم التكذيب، حتى يَرَوُا العَذَابَ الألِيمَ أخذا منهم سنة أسلافهم من المشركين قبلهم من قوم عاد وثمود وضربائهم من الأمم التي كذّبت رسلها، فلم تؤمن بما جاءها من عند الله حتى حلّ بها سخط الله فهلكت...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

وقوله:"كذلك نسلكه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين" قيل في معناه قولان:

أحدهما: كذلك نسلك القرآن الذي هو الذكر بإخطاره على البال ليؤمنوا به، فهم لا يؤمنون به، ماضين على سنة من تقدمهم، من تكذيب الرسل، كما سلكنا دعوة الرسل في قلوب من سلف من الأمم، ذهب اليه البلخي والجبائي.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

يقال: سلكت الخيط في الإبرة، وأسلكته إذا أدخلته فيها ونظمته... والضمير للذكر، أي: مثل ذلك السلك، ونحوه: نسلك الذكر في {قُلُوبِ المجرمين} على معنى أنه يلقيه في قلوبهم مكذباً مستهزئا به غير مقبول، كما لو أنزلت بلئيم حاجة فلم يجبك إليها فقلت: كذلك أنزلها باللئام، تعني مثل هذا الإنزال أنزلناها بهم مردودة غير مقضية.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

يحتمل أن يكون الضمير في {نسلكه} يعود على الاستهزاء والشرك ونحوه -وهو قول الحسن وقتادة وابن جرير وابن زيد- ويكون الضمير في {به} يعود أيضاً على ذلك بعينه، وتكون باء السبب، أي لا يؤمنون بسبب شركهم واستهزائهم، ويكون قوله: {لا يؤمنون به} في موضع الحال.

ويحتمل أن يكون الضمير في {نسلكه} عائداً على الذكر المحفوظ المتقدم الذكر وهو القرآن، أي مكذباً به مردوداً مستهزأ به ندخله في قلوب المجرمين، ويكون الضمير في {به} عائداً عليه أيضاً أي لا يصدقون به.

ويحتمل أن يكون الضمير في {نسلكه} عائداً على الاستهزاء والشرك، والضمير في {به} يعود على القرآن، فيختلف -على هذا- عود الضميرين...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كانت قلوب أهل الضلال موصوفة بالضيق والحرج، كان الداخل إليها لا يدخل إلا بغاية العسر، فلذلك قال جواباً لمن كأنه قال: أهذا خاص بهؤلاء؟ فقيل: لا، بل {كذلك} أي مثل هذا السلك العجيب الشأن، وعبر بالمضارع الدال مع التجدد على الاستمرار، لاقتضاء المقام له كما تقدم في أولها فقال: {نسلكه} أي الذكر {في قلوب المجرمين} أي العريقين في الإجرام في كل زمن كما يسلك الخيط والرمح ونحوه فيما ينظم فيه من مخيط وغيره بغاية العسر، فلا يتسع له المحل فلا ينفع، حال كونهم {لا يؤمنون به}...

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

{في قلوب المجرمين} أي: الذين وصفهم الظلم والبهت، عاقبناهم لما اشتبهت قلوبهم بالكفر والتكذيب، تشابهت معاملتهم لأنبيائهم ورسلهم بالاستهزاء والسخرية وعدم الإيمان ولهذا قال: {لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين}...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

استئناف بياني ناشئ عن سؤال يخطر ببال السامع لقوله {وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزءون}، فيتساءل كيف تواردت هذه الأمم على طريق واحد من الضلال فلم تفدهم دعوة الرسل عليهم السلام كما قال تعالى: {أتواصوا به بل هم قوم طاغون} [سورة الذاريات: 53]. والجملة مستأنفة استئنافاً بيانياً ناشئاً عن جملة {وإنا له لحافظون} [سورة الحجر: 9]؛ إذ قد يخطر بالبال أن حفظ الذكر يقتضي أن لا يكفر به من كفر. فأجيب بأن ذلك عقاب من الله لهم لإجرامهم وتلقّيهم الحق بالسخرية وعدم التدبر، ولأجل هذا اختير لهم وصف المجرمين دون الكافرين لأن وصف الكفر صار لهم كاللقب لا يشعر بمعنى التعليل. ونظيره قوله في الآية الأخرى {وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم} [سورة التوبة: 125]. والتعبير بصيغة المضارع في {نسلكه} للدلالة على أن المقصود إسلاك في زمن الحال، أي زمن نزول القرآن، ليعلم أن المقصود بيان تلقي المشركين للقرآن، فلا يتوهم أن المراد بالمجرمين شيع الأولين مع ما يفيده المضارع من الدلالة على التجديد المناسب لقوله: {وقد خلت سنة الأولين}، أي تجدد لهؤلاء إبلاغ القرآن على سنة إبلاغ الرسالات لمن قبلهم. وفيه تعريض بأن ذلك إعذار لهم ليحل بهم العذاب كما حل بمن قبلهم. والمشار إليه بقوله: {كذلك} هو السلك المأخوذ من {نسلكه} على طريقة أمثالها المقررة في قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمّة وسطاً} في سورة البقرة (143)...

أي مثل السلك الذي سنصفه نسلك الذكر في قلوب المجرمين، أي هكذا نولج القرآن في عقول المشركين، فإنهم يسمعونه ويفهمونه إذ هو من كلامهم ويدركون خصائصه؛ ولكنه لا يستقر في عقولهم استقرار تصديق به بل هم مكذبون به، كما قال تعالى: {وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيّكم زادته هذه إيماناً فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون} [سورة التوبة: 124 125]. وبهذا السلوك تقوم الحجة عليهم بتبليغ القرآن إليهم ويعاد إسماعهُم إياه المرة بعد المرة لتقوم الحجة. فضمير {نسلكه} و {به} عائدان إلى {الذكر} في قوله: {إنا نحن نزلنا الذكر} [سورة الحجر: 9] أي القرآن...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ} من خلال ما يشتمل عليه من إبداع الأسلوب وروعة المضمون، وإشراق الجوّ، ولكن مشكلتهم أنهم لا يعيشون إرادة الإيمان ليستريحوا إلى دلائله، وليفكروا في طروحاته، وليناقشوا أفكارهم على ضوئها كي يصلوا إلى معرفة الحقيقة الإيمانية...