جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{كَذَٰلِكَ نَسۡلُكُهُۥ فِي قُلُوبِ ٱلۡمُجۡرِمِينَ} (12)

القول في تأويل قوله تعالى : { كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ * لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنّةُ الأوّلِينَ } .

يقول تعالى ذكره : كما سلكنا الكفر في قلوب شيع الأوّلين . بالاستهزاء بالرسل ، كذلك نفعل ذلك في قلوب مشركي قومك الذين أجرموا بالكفر بالله لا يُوءْمِنُونَ بِهِ يقول : لا يصدّقون : بالذكر الذي أنزل إليك . والهاء في قوله : نَسْلُكُهُ من ذكر الاستهزاء بالرسل والتكذيب بهم كما :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : كذلكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ المُجْرِمِينَ قال : التكذيب .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : كذلكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ المُجْرِمِينَ لا يؤمنون به ، قال : إذا كذبوا سلك الله في قلوبهم أن لا يؤمنوا به .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن حميد ، عن الحسن ، في قوله : كذلكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ المُجْرِمِينَ قال : الشرك .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج بن المنهال ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن حميد ، قال : قرأت القرآن كله على الحسن في بيت أبي خليفة ، ففسره أجمع على الإثبات ، فسألته عن قوله : كذلكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ المُجْرِمِينَ قال : أعمال سيعملونها لم يعملوها .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك عن حماد بن سلمة ، عن حميد الطويل ، قال : قرأت القرآن كله على الحسن ، فما كان يفسره إلا على الإثبات ، قال : وقفته على «نسلكه » ، قال : الشرك . قال : ابن المبارك : سمعت سفيان يقول في قوله : نَسْلُكُهُ قال : نجعله .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : كذلكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ المُجْرِمِينَ لا يُوءْمِنُونَ بِهِ قال : هم كما قال الله ، هو أضلهم ومنعهم الإيمان .

يقال منه : سَلَكَه يَسْلُكُه سَلْكا وسُلُوكا ، وأسلكه يُسْلِكه إسلاكا ومن السلوك قول عديّ بن زيد :

وكنْت لِزَازَ خَصْمِكَ لَمْ أُعَرّدْ *** وَقَدْ سَلَكوكَ في يَوْم عَصِيبِ

ومن الإسلاك قول الاَخر :

حتى إذَا أسْلَكُوهُمْ في قُتائِدَةٍ *** شَلاّ كمَا تُطْرَدُ الجَمّالَةُ الشّرُدَا

وقوله : وَقَدْ خَلَتْ سُنّةُ الأوّلِينَ يقول تعالى ذكره : لا يؤمن بهذا القرآن قومك الذين سلكت في قلوبهم التكذيب ، حتى يَرَوُا العَذَابَ الألِيمَ أخذا منهم سنة أسلافهم من المشركين قبلهم من قوم عاد وثمود وضربائهم من الأمم التي كذّبت رسلها ، فلم تؤمن بما جاءها من عند الله حتى حلّ بها سخط الله فهلكت .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : كذلكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ المُجْرِمِينَ لا يُؤمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنّةُ الأوّلِينَ : وقائع الله فيمن خلا قبلكم من الأمم .