معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَمَّا سُقِطَ فِيٓ أَيۡدِيهِمۡ وَرَأَوۡاْ أَنَّهُمۡ قَدۡ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمۡ يَرۡحَمۡنَا رَبُّنَا وَيَغۡفِرۡ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (149)

قوله تعالى : { ولما سقط في أيديهم } ، أي ندموا على عبادة العجل ، تقول العرب لكل نادم على أمر : قد سقط في يديه .

قوله تعالى : { ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا } يتب علينا ربنا .

قوله تعالى : { ويغفر لنا } يتجاوز عنا .

قوله تعالى : { لنكونن من الخاسرين } قرأ حمزة والكسائي : { ترحمنا وتغفر لنا } بالتاء فيهما ( ربنا ) بنصب الباء ، وكان هذا الندم والاستغفار منهم بعد رجوع موسى إليهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَمَّا سُقِطَ فِيٓ أَيۡدِيهِمۡ وَرَأَوۡاْ أَنَّهُمۡ قَدۡ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمۡ يَرۡحَمۡنَا رَبُّنَا وَيَغۡفِرۡ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (149)

138

وأخيراً هدأت الهيجة ، وانكشفت الحقيقة ، وتبين السخف ، ووضح الضلال ، وجاءت نوبة الندم والإقرار :

( ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا ، قالوا : لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين ) . .

يقال : سقط في يده إذا عدم الحيلة في دفع ما هو بصدده من أمر . . ولما رأى بنو إسرائيل أنهم صاروا - بهذه النكسة - الى موقف لا يملكون دفعه فقد وقع منهم وانتهى ! قالوا قولتهم هذه :

( لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين ) . .

وهذه القولة تدل على أنه كان فيهم - إلى ذلك الحين - بقية من استعداد صالح . فلم تكن قلوبهم قد قست كما قست من بعد - فهي كالحجارة أو أشد قسوة كما يصفهم من هو أعلم بهم ! - فلما أن تبين لهم ضلالهم ندموا وعرفوا أنه لا ينقذهم من عاقبة ما أتوا إلا أن تدركهم رحمة ربهم ومغفرته . . وهذه علامة طيبة على بقية من استعداد في الفطرة للصلاح . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَمَّا سُقِطَ فِيٓ أَيۡدِيهِمۡ وَرَأَوۡاْ أَنَّهُمۡ قَدۡ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمۡ يَرۡحَمۡنَا رَبُّنَا وَيَغۡفِرۡ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (149)

{ ولما سُقط في أيديهم } كناية عن اشتداد ندمهم فإن النادم المتحسر يعض يده غما فتصير يده مسقوطا فيها . وقرئ " سِقط " على بناء الفعل للفاعل بمعنى وقع العض فيها ، وقيل معناه سقط الندم في أنفسهم . { ورأوا } وعلموا . { أنهم قد ضلّوا } باتخاذ العجل . { قالوا لئن لم يرحمنا ربنا } بإنزال التوراة . { ويغفر لنا } بالتجاوز عن الخطيئة . { لنكونن من الخاسرين } وقرأهما حمزة والكسائي بالتاء و{ ربنا } على النداء .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَمَّا سُقِطَ فِيٓ أَيۡدِيهِمۡ وَرَأَوۡاْ أَنَّهُمۡ قَدۡ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمۡ يَرۡحَمۡنَا رَبُّنَا وَيَغۡفِرۡ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (149)

كان مقتضى الظاهر في ترتيب حكاية الحوادث أن يتأخر قوله : { ولما سُقط في أيديهم } الآية ، عن قوله : { ولما رَجع موسى إلى قومه غضبانَ أسِفاً } [ الأعراف : 150 ] لأنهم ما سُقط في أيديهم إلاّ بعد أن رجع موسى ورأوا فَرْط غضبه وسمعوا توبيخه أخاه وإيّاهم ، وإنما خولف مقتضى الترتيب تعجيلاً بذكر ما كان لاتخاذهم العجل من عاقبة الندامة وتبين الضلالة ، موعظة للسامعين لكيلا يعجلوا في التحول عن سنتهم ، حتى يتبينوا عواقب ما هم متحولون إليه .

و { سُقط في أيديهم } مبني للمجهول ، كلمة أجراها القرآن مجرى المثل إذا أُنظمت على إيجاز بديع وكناية واستعارة ، فإن اليد تستعار للقوة والنصرة إذ بها يُضرب بالسيففِ والرمح ، ولذلك حين يَدْعون على أنفسهم بالسوء يقولون : « شَلّتْ من يديّ الأنامل » ، وهي آلةُ القدرة قال تعالى : { ذَا الأيد } [ ص : 17 ] ، ويقال : ما لي بذلك يدٌ ، أوْ ما لي بذلك يَدانِ أي لا أستطيعه ، والمرء إذا حصل له شلل في عضد ولم يستطع تحريكه يحسن أن يقال : سَقط في يده ساقط ، أي نزل به نازل .

ولما كان ذكر فاعل السقوط المجهول لا يزيد على كونه مشتقاً من فعله ، ساغ أن يُبنى فعله للمجهول فمعنى « سُقط في يده » سَقط في يده ساقِط فأبطل حركة يده ، إذ المقصود أن حركة يده تعطلت بسبب غير معلوم ، إلاّ بأنه شيء دخل في يده فصيّرها عاجزة عن العمل وذلك كناية عن كونه قد فجأه ما أوجب حيرته في أمره ، كما يقال : فُتَ في ساعده .

وقد استعمل في الآية في معنى الندم وتبيُّن الخطأ لهم ، فهو تمثيل لحالهم بحال من سُقط في يده حين العمل . فالمعنى أنهم تبين لهم خطأهم وسوء معاملتهم ربهم ونبيهم ، فالندامة هي معنى التركيب كله ، وأما الكناية فهي في بعض أجزاء المركب وهو سقط في اليد ، قال ابن عطية « وحُدثت عن أبي مروان بن سراج » أنه كان يقول قول العرب : سقط في يده مما أعياني معناه ، وقال الزجاح هو نظم لم يُسمع قبل القرآن ، ولم تعرفه العرب .

قلت وهو القول الفصل ، فإني لم أره في شيء من كلامهم قبل القرآن ، فقول ابن سراج : قول العرب سقط في يده ، لعله يريد العرب الذين بعدَ القرآن .

والمعنى لما رجع موسى إليهم وهددهم وأحرق العجل كما ذكر في سورة طه ، وأوجز هنا إذ من المعلوم أنهم ما سقط في أيديهم ورأوا أنهم ضلوا بعد تصميمهم وتصلبهم في عبادة العجل وقولهم : { لن نبرح عليه عاكفين } [ طه : 91 ] ، إلاّ بسبب حادث حدث ينكشف لهم بسببه ضلالهم ، فطيّ ذلك من قبيل الإيجاز ليبنى عليه أن ضلالهم لم يلبث أن انكشف لهم ، ولذلك قرن بهذا حكاية اتخاذهم العجل للمبادرة ببيان انكشاف ضلالهم تنهية لقصة ضلالهم ، وكأنه قيل : فسقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا ثم قيل ولما سقط أيديهم قالوا .

وقولهم : { لئن لم يرْحمْنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين } توبة وإنابة ، وقد علموا أنهم أخطأوا خطيئة عظيمة ، ولذلك أكدوا التعليق الشرطي بالقسم الذي وطَأتْه اللامُ . وقدموا الرحمة على المغفرة ؛ لأنها سببها .

ومجيء خبر كان مقترناً بحرف ( مِن ) التبعيضية ؛ لأن ذلك أقوى في إثبات الخسارة من لنكونن خاسرين كما تقدم في قوله تعالى : { قد ضللتُ إذاً وما أنا من المهتدين } [ الأنعام : 55 ] وقرأه الجمهور { يرحمنا ربنا ويغفر } بياء الغيبة في أول الفعلين وبرفع ربُّنا ، وقرأ حمزة والكسائي وخلف بتاء الخطاب في أول الفعلين ونصب ربّنا على النداء ، أي قالوا ذلك كله لأنهم دعوا ربهم وتداولوا ذلك بينهم .