الآية 149 وقوله تعالى : { ولمّا سقط في أيديهم } هذا حرف تستعمله العرب عند وقوع الندامة وحلولها . وتأويله : لمّا رأوا أنهم قد ضلّوا : { سقط في أيديهم } أي ندموا على ما كان منهم .
وقوله تعالى : { قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا } أي { لئن لم يرحمنا ربنا } ويوفّقنا الهداية والعبادة له{[8979]} { ويغفر لنا } لما كان منّا من العبادة للعجل والتفريط في العصيان { لنكوننّ من الخاسرين } .
ويحتمل قوله تعالى : { لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا } ابتداء سبب الرحمة والمغفرة كقوله تعالى : { واستغفروا ربكم } الآية [ هود : 90 ] ويحتمل التجاوز لما كان منهم والعفو .
وفي قوله تعالى : { ألم يروا أنه لا يكلّمهم } بعد قوله تعالى : { له خوار } دلالة أن الكلام هو ما يفهم به المراد ، ليست الحروف نفسها ؛ لأنه أخبر أن له خوارا{[8980]} . ثم أخبر { أنه لا يكلّمهم } دل أن الصوت ، وإن كان ذا هجاء وحروف ليس بكلام ، وذلك يدل لأصحابنا في مسألة من{[8981]} حلف ألا يكلّم فلانا ، ثم خاطبه بشيء لا يفهم مراده فإن{[8982]} ذلك ليس بكلام ، ولا يحنث .
الآية 150 وقوله تعالى : { ولمّا رجع موسى إلى قومه غضبان آسفا } الأسف هو النهاية في الحزن والغضب كقوله تعالى : { يا أسفي على يوسف } [ يوسف : 84 ] هو النهاية في الحزن . والآسف في موضع الغضب قوله تعالى : { فلما آسفونا انتقمنا منهم } [ الزخرف : 55 ] أي أغضبونا . لكن الغضب يكون على من دونه ، والآسف والحزن على من فوقه .
وقوله تعالى : { غضبن } أي لله على قومه لعبادتهم العجل وتركهم عبادة الله حزنا على قومه لما يلحقهم بعبادتهم العجل من العقوبة . وهكذا الواجب على من رأى المنكر أنه يغضب لله على مرتكب ذلك المنكر لمعاينة المنكر ، ويأسف عليه لما يلحقه من العقوبة والهلاك رحمة منه له ورأفة ، ويلزم الشكر لربه لما عصمه عن مثله .
وكذلك وصف رسوله صلى الله عليه وسلم{[8983]} بالأسف والحزن لتكذيبهم إياه حتى كادت نفسه تهلك حزنا عليهم حين قال : { لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين } [ الشعراء : 3 ] وقال{[8984]} : { فلا تذهب نفسك عليهم حسرات } [ فاطر : 8 ] .
ذكر هذه القصة لنا لنعرف أن كيف نعامل أهل المناكير وقت ارتكابهم المنكر .
وقوله تعالى : { بئسما خلفتموني من بعدي } يخرّج على وجهين :
أحدهما : { بئسما خلفتموني } بئسما اخترتم من عبادتكم العجل على عبادة الله .
والثاني : { بئسما خلفتموني } باتباعكم السامريّ إلى ما دعاكم إليه بعد اتباعكم إياي وأخي رسول الله وما أمركم به ، ودعاكم إلى عبادة الله ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { أعجلتم أمر ربكم } اختلف فيه : قال بعضهم : أعجلتم ميعاد ربكم ؟ كقوله تعالى : { ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا } [ طه : 86 ] أي أعجلتم الوعد الحسن الذي وعد لكم ربكم ، وهو قوله تعالى : { وواعدنا موسى ثلاثين ليلة } [ الأعراف : 142 ] . وقال آخرون : قوله تعالى : { أمر ربكم } عذاب ربكم وغضبه بعبادتكم العجل واتخاذكم إلها . وقد سمى الله تعالى الأمر في غير موضع من القرآن عذابا كقوله : { أتى أمر الله } [ النحل : 1 ] ونحوه : { جاء أمر الله } [ الحديد : 14 ] .
وقوله تعالى : { وألقى الألواح } قال أكثر أهل التأويل { وألقى الألواح } أي طرحها على الأرض غضبا منه ، فرفع منها كذا وكذا ، وبقي كذا . لكن لا يجوز أن يفهم من قوله : { وألقى الألواح } طرحها ، لا غير . ألا ترى أنه قال { وألقى في الأرض رواسي } ؟ [ النحل : 15 ] ليس يفهم منه الطرح والإلقاء ، لكن إنما فهم منه الوضع .
فعلى ذلك قوله { وألقى الألواح } أي وضعها{[8985]} لأنه أخذ رأسه ولحيته ؛ أعني رأس أخيه هارون ، ولا سبيل له إلى أن يأخذ رأسه ولحيته ، والألواح في يده ، فوضعها على الأرض ، ثم أخذ رأسه ولحيته ، وجرّه إليه .
وعلى ما ذكر في سورة طه حين{[8986]} : { قال يا ابن أمّ لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي } [ الآية : 94 ] دل هذا أن كان أخذ رأسه ولحيته جميعا لشدة غضبه لله على صنيع قومه .
وفي الآية دلالة العمل بالاجتهاد ؛ لأنه قال : { لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي } ، ولا يحتمل أن يكون موسى يأخذ رأسه بالوحي والأمر من الله ، ثن يقول له هارون : { لا تأخذ بلحيتي } ولا بكذا ، ولا تفعل كذا .
وفيه أيضا أن هارون لمّا قال له : { لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت } إنما قال ذلك بالاجتهاد حين{[8987]} قال : { إني خشيت أن تقول فرّقت بين بني إسرائيل } [ طه : 94 ] لأنه لو كان يقول له بالوحي أو بالأمر لم يكن ليعتذر إليه بقوله : { فلا تشمت بي الأعداء } .
وقوله تعالى : { وأخذ برأس أخيه يجرّه } فيه دلالة أنه إنما أخذ شعر رأسه ؛ لأنه لو كان أخذ رأسه لكان لا يحتاج إلى أن يجرّه إليه . دل أنه كان أخذ بشعر رأسه . وكذلك قوله { لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي } [ طه : 94 ] .
وفيه دلالة لأصحابنا أن من مسح رأسه ، ثم أزال شعره ، لم يسقط عنه حكم المسح ، وإذا مسح على لحيته ، ثم سقطت{[8988]} ، زال عنه حكمه ، ولزم غسل ذقنه ، لما سمى الشعر رأسا ، وسمى اللحية لحية ؛ وسقوطها يسقط حكم المسح ، وسقوط شعر الرأس لا ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني } خرج هذا صلة قول موسى لهارون لمّا [ قال له ]{[8989]} : { قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا } { ألاّ تتّبعني أفعصيت أمري } [ طه : 92و93 ] فقال عند ذلك { إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.