الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَلَمَّا سُقِطَ فِيٓ أَيۡدِيهِمۡ وَرَأَوۡاْ أَنَّهُمۡ قَدۡ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمۡ يَرۡحَمۡنَا رَبُّنَا وَيَغۡفِرۡ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (149)

ثم قال تعالى : { ولما سقط في أيديهم }[ 149 ] .

أي : ندموا على عبادته{[25341]} ، { ورأوا أنهم قد ضلوا } ، أي : علموا أنهم ضالون في عبادة العجل جائزون عن قصد السبيل{[25342]} ، إذ عاينوه{[25343]} وقد حرق{[25344]} بالمبرد ونسف في البحر ، وهو لا يمنع{[25345]} ولا يدفع{[25346]} ، { قالوا لئن لم يرحمنا ربنا }[ 149 ] ، أي : يتعطف علينا بالتوبة{[25347]} . { ويغفر لنا } ، أي : ما جنيناه من عبادة العجل ، { لنكونن من الخاسرين }[ 149 ] ، فأبى الله تعالى ، أن يقبل توبتهم إلا أن يقتلوا أنفسهم{[25348]} ، على ما ذُكِر في سورة البقرة{[25349]} .

وفي حرف أبي{[25350]} : " قالوا ربنا لئن لم ترحمنا وتغفر لنا " {[25351]} ، وهو شاهد لمن قرأ ب : " التاء " ، ونصب : { ربنا }{[25352]} . وله وجه آخر ، وهو أن الدعاء يتضمن الخبر ، ففيه معنيان ، والخبر لا يتضمن الدعاء إنما فيه معنى واحد ، فالنداء{[25353]} أبلغ{[25354]} .

وقرئ : " ولما سقط " ، بفتح السين{[25355]} : بمعنى : سقط الندم ( في أيديهم ){[25356]} .


[25341]:جامع البيان 13/118، بإيجاز. وقال في تفسير مشكل غريب القرآن 175، ندموا. انظر: جامع البيان 7/181، والبحر المحيط 4/391، والدر المصون 3/344، وما بعدها.
[25342]:انظر: جامع البيان 13/119.
[25343]:في "ر": أي عاينوه.
[25344]:في ج، أحسبه: أحرق. يقال: حرقه يَحْرُقُهُ، وَيَحْرِقُهُ، إذا نحته بمبرد أو غيره. وأحرقه يحرقه بالنار، وحرقه يحرقه يكون منهما جميعا على التكثير، كما في إعراب القرآن للنحاس 3/57.
[25345]:في ج: لا يمتنع.
[25346]:انظر: معنى قوله تعالى: {لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا}، طه:95، في معاني القرآن للفراء 2/191، وجامع البيان 9/258، وتفسير القرطبي 11/161.
[25347]:انظر: جامع البيان 13/120.
[25348]:تفسير هود بن محكم الهواري 2/47.
[25349]:وهو قوله تعالى: {وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم}53. انظر: الهداية: تفسير سورة البقرة.
[25350]:هو: أبي بن كعب الأنصاري الخزرجي، أبو المنذر، من فضلاء الصحابة، وأقرأ الأمة، شهد بدرا والمشاهد كلها، توفي بالمدينة سنة 19هـ. انظر: معرفة القراء الكبار 1/28، وما بعدها، وتقريب التهذيب 36.
[25351]:في الأصل: و ر: "قالوا ربنا لئن لم تغفر لنا وترحمنا"، وأثبت ما في ج، وجامع البيان 13/119، والحجة لأبي زرعة 296، والمحرر الوجيز 2/456، والبحر المحيط 4/392.
[25352]:وهي قراءة حمزة، والكسائي: (لئن لم ترحمنا ربنا وتغفر لنا) الكشف عن وجوه القراءات السبع 1/477، وكتاب السبعة في القراءات 294، وإعراب القراءات السبع لابن خالويه 1/208، وفيه: (ربنا)، بالنصب على النداء المضاف، تقديره: يا ربنا، واحتجا بحرف أُبيِّ..، وحجة القراءات لأبي زرعة 296، والتيسير للداني 93، وغيث النفع 229.
[25353]:في "ج": والنداء. وفي "ر": طمس بفعل الأرضة والرطوبة.
[25354]:قال في الكشف 1/477...: وفيه معنى الاستغاثة والتضرع والابتهال في السؤال والدعاء، وبنصب (ربنا) على النداء، وهو أيضا أبلغ في الدعاء والخضوع...، ولولا أن الجماعة على "الياء" والرفع، لاخترت القراءة بـ "التاء" والنصب، لما ذكرت من صحة معناه في الاستكانة والتضرع. وهو في تفسير القرطبي 7/182، من غير عزو. وينظر: الدر المصون 3/346.
[25355]:معاني القرآن للزجاج 2/378، وضبطها المحقق: بضم السين وكسر القاف، وهو سهو منه، والمختصر في شواذ القرآن 51، وعزاهما لليماني، والكشاف 2/154، وعزاها لأبي السميفع، والمحرر الوجيز 2/455، وزاد المسير 3/263، وعزاها لابن السميفع وأبي عمران الجوني.
[25356]:معاني القرآن للزجاج 2/378، وتمام نصه: "كما تقول للذي يحصل على شيء، وإن كان مما لا يكون في اليد، قد حصل في يده من هذا مكروه، تشبه ما يحصل في القلب وفي النفس مما يرى بالعين". وانظر: الرد على هذا القول في الكشاف 2/154. وما بين الهلالين ساقط من "ج"، وفي "ر" طمس بفعل الأرضة والرطوبة.