محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَلَمَّا سُقِطَ فِيٓ أَيۡدِيهِمۡ وَرَأَوۡاْ أَنَّهُمۡ قَدۡ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمۡ يَرۡحَمۡنَا رَبُّنَا وَيَغۡفِرۡ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (149)

[ 149 ] { ولما سُقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لَّم يَرْحَمْنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين ( 149 ) } .

{ ولما سُقط في أيديهم } أي : ندموا على عبادة العجل { ورأوا } أي علموا وأيقنوا { أنهم قد ضلوا } أي : عن الحق والهدى { قالوا لئن لم يرحمنا ربنا } أي بقبول توبتنا { ويغفر لنا } أي : ما قدمنا من عبادة العجل { لنكونن من الخاسرين } أي : بالعقوبة . أي : ممن خسروا أعمالهم وأعمارهم .

/ لطيفة :

يقال للنادم على ما فعل ، الحَسِر على ما فَرَطَ منه ( قد سُقط في يده ) و ( أسقط ) مضمومتين- قاله الزجاج- .

وقال الفراء : يقال سُقط في يده وأسقط ، من الندامة ، و ( سُقِطَ ) أكثر وأجود .

وأنكر أبو عمرو ( أُسقط ) بالألف ، وجوزه الأخفش .

قال الزمخشري : من شأن من اشتد ندمه وحسرته ، أن يعض يده غما ، فتصير يده مسقوطا فيها ، لأن فاه قد وقع فيها .

وقال الزجاج : معناه : سقط الندم في أيديهم ، أي في قلوبهم وأنفسهم . كما يقال : حصل في يد مكروه ، وإن كان محالا أن يكون في اليد ، تشبيها لما يحصل في القلب وفي النفس ، بما يحصل في اليد ، ويرى بالعين- انتهى- .

وقال الفارسي : أي : ضربوا أكفهم على أكفهم من الندم . فإن صح ذلك فهو إذن من السقوط .

وفي ( العباب ) : هذا نظم لم يسمع به قبل القرآن ، ولا عرفته العرب ، والأصل فيه نزول الشيء من أعلى إلى أسفل ، ووقوعه على الأرض ، ثم اتسع فيه فقيل للخطأ من الكلام ( سقط ) لأنهم شبهوه ، بما لا يحتاج إليه ، فيسقط . وذكر اليد لأن الندم يحدث في القلب ، وأثره يظهر في اليد ، كقوله تعالى : { فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها }{[4201]} ولأن اليد هي الجارحة العظمى ، فربما يسند إليها ما لم تباشره ، كقوله تعالى : { ذلك بما قدّمت يداك }{[4202]} - انتهى- .

وعليه ، فيكون { سقط } من السقاط ، وهو كثرة الخطأ كما قال :

كيف يرجون سقاطي بعد ما *** لفع الرأس بياض وصلع

وقيل : من عادة النادم أن يطأطئ رأسه ، ويضعه على يده ، معتمدا عليه ، وتارة/ يضعها تحت ذقنه ، وشطر من وجهه على هيأة لو نزعت يده لسقط على وجهه ، فكانت اليد مسقوطا فيها ، لتمكن السقوط فيها . ويكون قوله : { سقط في أيديهم } بمعنى سقط على ايديهم ، كقوله : { ولأصلبنكم في جذوع النخل }{[4203]} أي عليها : و { سقط } عده بعضهم من الأفعال التي تتصرف ، ك ( نعم وبئس ) . وقرئ { سَقَطَ } معلوما ، أي الندم ، أو العض ، أو الخسران ، وكله تمثيل . وقرء { أُسْقِطَ } رباعيّ مجهول ، وهي لغة نقلها الفراء والزجاج ، كما قدمنا .


[4201]:- [18/ الكهف/ 42].
[4202]:- [22/ الحج/ 10].
[4203]:- [20/ طه/ 71].