معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنفَعُهُمۡ وَلَا يَضُرُّهُمۡۗ وَكَانَ ٱلۡكَافِرُ عَلَىٰ رَبِّهِۦ ظَهِيرٗا} (55)

قوله تعالى : { ويعبدون من دون الله } يعني : هؤلاء المشركين ، { ما لا ينفعهم } إن عبدوه ، { ولا يضرهم } إن تركوه ، { وكان الكافر على ربه ظهيراً } أي : معيناً للشيطان على ربه بالمعاصي . وقال الزجاج : أي : يعاون الشيطان على معصية الله لأن عبادتهم الأصنام معاونة للشيطان . وقيل : معناه ( وكان الكافر على ربه ظهيراً ) ، أي : هيناً ذليلاً ، كما يقال الرجل : جعلني بظهير ، أي : جعلني هيناً . ويقال : ظهرت به ، إذا جعله خلف ظهره فلم يلتفت إليه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنفَعُهُمۡ وَلَا يَضُرُّهُمۡۗ وَكَانَ ٱلۡكَافِرُ عَلَىٰ رَبِّهِۦ ظَهِيرٗا} (55)

45

وفي مثل هذا الجو . جو الخلق والتقدير . وأمام تلك الحياة الناشئة من ماء السماء وماء النطفة . المزودة بتلك الخصائص ، التي تجعل من خلية ذكرا بمميزاته كلها ووراثاته ، وتجعل من خلية أنثى بمميزاتها كذلك ووراثاتها . . في مثل هذا الجو تبدو عبادة غير الله شيئا مستغربا مستنكرا تشمئز منه الفطرة . . وهنا يعرض عباداتهم من دون الله .

( ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم . وكان الكافر على ربه ظهيرا ) . .

( وكان الكافر على ربه ظهيرا ) . . كل كافر - ومشركو مكة من ضمنهم ! - إنما هو حرب على ربه الذي خلقه وسواه . فكيف ذلك ، وهو صغير ضئيل لا يبلغ أن يكون حربا ولا ضدا على الله ? إنه حرب على دينه . وحرب على منهجه الذي أراده للحياة . إنما يريد التعبير أن يفظع جريمته ويبشعها ، فيصوره حربا على ربه ومولاه !

فهو يحارب ربه حين يحارب رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ورسالته ، فلا على الرسول منه ، فإنما الحرب مع الله ، وهو به كفيل . ثم يطمئن الله عبده ، ويخفف العبء عن عاتقة ، ويشعره أنه حين يؤدي واجبه في التبشير والإنذار ، وجهاد الكفار بما معه من قرآن فلا عليه من عداء المجرمين له ولا عناد الكافرين . والله يتولى عنه المعركة مع أعدائه الذين إنما يعادون الله . فليتوكل على ربه . والله أعلم بذنوب عباده !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنفَعُهُمۡ وَلَا يَضُرُّهُمۡۗ وَكَانَ ٱلۡكَافِرُ عَلَىٰ رَبِّهِۦ ظَهِيرٗا} (55)

يخبر تعالى عن جهل المشركين في عبادتهم غير الله من الأصنام ، التي لا تملك لهم نفعاً ولا ضرا ، بلا دليل قادهم إلى ذلك ، ولا حجة أدتهم إليه ، بل بمجرد الآراء ، والتشهي والأهواء ، فهم يوالونهم{[21560]} ويقاتلون في سبيلهم ، ويعادون الله ورسوله [ والمؤمنون ]{[21561]} فيهم ؛ ولهذا قال : { وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا } أي : عونا في سبيل الشيطان على حزب الله ، وحزب الله هم الغالبون ، كما قال تعالى : { وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ * لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ } [ يس : 74 - 75 ] أي : آلهتهم التي اتخذوها من دون الله لا تملك{[21562]} لهم نصرا ، وهؤلاء الجهلة للأصنام جند محضرون يقاتلون عنهم ، ويَذبُّون عن حَوْزتهم ، ولكن العاقبة والنصرة لله ولرسوله في الدنيا والآخرة .

قال مجاهد : { وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا } قال : يظاهر الشيطان على معصية الله ، يعينه .

وقال سعيد بن جبير : { وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا } يقول : عوناً للشيطان على ربه بالعداوة والشرك .

وقال زيد بن أسلم : { وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا } قال : مواليا .


[21560]:- في أ : "والتشهي فيهم يوالون لهم".
[21561]:- زيادة من أ.
[21562]:- في أ : "لا يملكون".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنفَعُهُمۡ وَلَا يَضُرُّهُمۡۗ وَكَانَ ٱلۡكَافِرُ عَلَىٰ رَبِّهِۦ ظَهِيرٗا} (55)

{ ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم } يعني الأصنام أو كل ما عبد من دون الله إذ ما من مخلوق يستقل بالنفع والضر . { وكان الكافر على ربه ظهيرا } يظاهر الشيطان بالعداوة والشرك والمراد ب { الكافر } الجنس أو أبو جهل . وقيل هينا مهينا لا وقع له عنده من قولهم ظهرت به إذا نبذته خلف ظهرك فيكون كقوله { ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم } .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنفَعُهُمۡ وَلَا يَضُرُّهُمۡۗ وَكَانَ ٱلۡكَافِرُ عَلَىٰ رَبِّهِۦ ظَهِيرٗا} (55)

ثم ذكر تعالى خطأهم في عبادته أصناماً لا تملك لهم ضراً ولا نفعاً وقوله { وكان الكافر على ربه ظهيراً } فيه تأويلان : أحدهما أن «الظهير » المعين فتكون الآية بمعنى توبيخهم على ذلك من أن الكفار يعينون على ربهم غيرهم من الكفرة والشيطان بأن يطيعوه ويظاهروه ، وهذا هو تأويل مجاهد والحسن وابن زيد ، والثاني ذكره الطبري أن يكون «الظهير » فعيلاً ، من قولك ظهرت الشيء إذا طرحته وراء ظهرك واتخذته ظهرياً ، فيكون معنى الآية على هذا التأويل احتقار الكفرة{[8855]} ، و { الكافر } في هذه الآية اسم الجنس وقال ابن عباس بل هو معين أراد به أبا جهل بن هشام .

قال الفقيه الإمام القاضي : ويشبه أن أبا جهل سبب الآية ولكن اللفظ عام للجنس كله .


[8855]:ومنه قوله تعالى: {واتخذتموه وراءكم ظهريا} أي: هينا لا قيمة له، وعليه جاء قول الفرزدق: تميم بن قيس لا تكونن حاجتي بظهر فلا يعيا علي جوابها وقيل في معنى "ظهير": وكان الكافر على ربه الذي يعبده – وهو الصنم- قويا غالبا يعمل به ما يشاء، لأن الجماد لا قدرة له على دفع ضر أو جلب نفع.