اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنفَعُهُمۡ وَلَا يَضُرُّهُمۡۗ وَكَانَ ٱلۡكَافِرُ عَلَىٰ رَبِّهِۦ ظَهِيرٗا} (55)

قوله تعالى : { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله } الآية . لما ذكر دلائل التوحيد عاد إلى تهجين سيرتهم فقال «وَيَعْبُدُونَ » أي : هؤلاء المشركون { مَا لاَ يَنفَعُهُمْ } إن عبدوه «وَلاَ يَضرُّهُمْ » إن تركوه ، { وَكَانَ الكافر على رَبِّهِ ظَهِيراً } أي : معيناً للشيطان على ربه بالمعاصي{[36443]} . قال الزجاج : يعاون الشيطان على معصية الله ، لأن عبادتهم الأصنام معاونة للشيطان{[36444]} . فإن قيل كيف يصح في الكافر أن يكون معاوناً للشيطان على ربه بالعداوة . فالجواب أنه تعالى ذكر نفسه وأراد رسوله فقال : { إِنَّ الذين يُؤْذُونَ الله }{[36445]} [ الأحزاب : 57 ] . وقيل : معناه : وكان{[36446]} الكافر على ربه هيناً ذليلاً ، كما يقول الرجل لمن يستهين به : جعلني بظهر ، أي : جعلني هيناً ، ويقال : ظهرت به : إذا جعلته خلف ظهرك ، كقوله : { واتخذتموه وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيّاً }{[36447]} [ هود : 92 ] .

قال{[36448]} أبو مسلم : وقياس العربية أن يقال : مظهوراً ، أي : مستخف به متروك وراء الظهر ، فقيل فيه : ظهير بمعنى مظهور ، ومعناه : هين على الله أن يكفر الكافر ، وهو تعالى مستهين بكفره{[36449]} .

والمراد بالكافر قيل : أبو جهل ، لأن الآية نزلت فيه . والأولى{[36450]} حمله على العموم لأن خصوص السبب لا يقدح في عموم اللفظ{[36451]} . قيل : ويجوز أن يريد بالظهير{[36452]} الجماعة كقوله : { وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } [ التحريم : 4 ] كالصديق والخليط ، فعلى هذا يكون المراد بالكافر الجنس ، وأن بعضهم مظاهر لبعض على إطفاء نور الله قال تعالى : { وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغي }{[36453]} [ الأعراف : 202 ] .

قوله : «عَلَى رَبِّهِ » يجوز أن يتعلق ب «ظَهِيراً » ، وهو الظاهر ، وأن يتعلق بمحذوف على أنه خبر «كان » و «ظهيراً » حال{[36454]} ، والظهير المعاون{[36455]} .


[36443]:انظر البغوي 6/186 – 187.
[36444]:معاني القرآن وإعرابه 4/73.
[36445]:من قوله تعالى: {إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا} [الأحزاب: 57]. وانظر الفخر الرازي 24/101.
[36446]:في ب: وكما أن. وهو تحريف.
[36447]:[هود: 92]. وانظر القرطبي 13/61.
[36448]:في الأصل: قاله.
[36449]:انظر الفخر الرازي 24/102.
[36450]:في الأصل: والأول. وهو تحريف.
[36451]:انظر الفخر الرازي 24/102.
[36452]:في ب: بالظهر.
[36453]:[الأعراف: 202]. وانظر الفخر الرازي 24/102.
[36454]:انظر التبيان 2/988.
[36455]:انظر الكشاف 3/101.