معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمۡثَالُكُمۡۖ فَٱدۡعُوهُمۡ فَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لَكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (194)

قوله تعالى : { إن الذين تدعون من دون الله } ، يعني الأصنام .

قوله تعالى : { عباد أمثالكم } ، يريد أنها مملوكة أمثالكم ، وقيل : أمثالكم في التسخير ، أي : أنهم مسخرون مذللون لما أريد منهم ، قال مقاتل : قوله { عباد أمثالكم } أراد به الملائكة ، والخطاب مع قوم كانوا يعبدون الملائكة ، والأول أصح .

قوله تعالى : { فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين } ، أنها آلهة . قال ابن عباس : فاعبدوهم ، هل يثيبونكم أو يجازونكم ؟ { إن كنتم صادقين } أن لكم عندها منفعة ؟

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمۡثَالُكُمۡۖ فَٱدۡعُوهُمۡ فَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لَكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (194)

172

( وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم ، سواء عليكم ادعوتموهم أم أنتم صامتون . إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم . فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين . ألهم أرجل يمشون بها ؟ أم لهم أيد يبطشون بها ؟ أم لهم أعين يبصرون بها ؟ أم لهم آذان يسمعون بها ؟ )

لقد كانت وثنية مشركي العرب وثنية ساذجة - كما أسلفنا - سخيفة في ميزان العقل البشري في أية مرحلة من مراحله ! ومن ثم كان القرآن ينبه فيهم هذا العقل ؛ وهو يواجههم بسخافة ما يزاولونه من الشرك بمثل هذه الآلهة .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمۡثَالُكُمۡۖ فَٱدۡعُوهُمۡ فَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لَكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (194)

191

ثم ذكر تعالى أنها عبيد مثل عابديها ، أي : مخلوقات مثلهم ، بل الأناسي أكمل منها ، لأنها تسمع وتبصر وتبطش ، وتلك لا تفعل شيئا من ذلك .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمۡثَالُكُمۡۖ فَٱدۡعُوهُمۡ فَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لَكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (194)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ الّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } . .

يقول جلّ ثناؤه لهؤلاء المشركين من عبدة الأوثان موبخهم على عبادتهم ما لا يضرّهم ولا ينفعهم من الأصنام : إن الذين تدعون أيها المشركون آلهة من دون الله ، وتعبدونها شركا منكم وكفرا بالله ، عِبَادٌ أمْثَالُكُمْ يقول : هم أملاك لربكم ، كما أنتم له مماليك . فإن كنتم صادقين أنها تضرّ وتنفع وأنها تستوجب منكم العبادة لنفعها إياكم ، فليستجيبوا لدعائكم إذا دعوتموهم ، فإن لم يستجيبوا لكم لأنها لا تسمع دعاءكم ، فأيقنوا بأنها لا تنفع ولا تضرّ لأن الضرّ والنفع إنما يكونان ممن إذا سئل سمع مسألة سائل وأعطى وأفضل ومن إذا شُكِيَ إليه من شيء سمع فضرّ من استحقّ العقوبة ونفع من لا يستوجب الضرّ .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمۡثَالُكُمۡۖ فَٱدۡعُوهُمۡ فَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لَكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (194)

هذه الجملة على الوجه الأول في كون المخاطب ، بقوله : { وإن تَدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم } [ الأعراف : 193 ] الآية ، النبي عليه الصلاة والسلام والمسلمين أن تكون استئنافاً ابتدائياً انتُقل به إلى مخاطبة المشركين ، ولذلك صدر بحرف التوكيد لأن المشركين ينكرون مساواة الأصنام إياهم في العبودية ، وفيه الالتفات من الغيبة إلى الخطاب .

والمراد بالذين تدعون من دون الله : الأصنام ، فتعريفها بالموصول لتنبيه المخاطبين على خطأ رأيهم في دعائهم إياها من دون الله ، في حين هي ليست أهلا لذلك ، فهذا الموصول كالموصول في قول عبدة بن الطبيب :

إن الذين تُرْوَنُهم إخوانكم *** يشفي غليل صدورهم أن تُصرعوا

ويجيء على الوجه الثاني في الخطاب السابق : أن تكون هذه الجملة بياناً وتعليلاً لجملة { وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم } [ الأعراف : 193 ] أي لأنهم عباد أي مخلوقون .

و ( العبد ) أصله المملوك ، ضد الحر ، كما في قوله تعالى : { الحر بالحر والعبد بالعبد } [ البقرة : 178 ] وقد أطلق في اللسان على المخلوق : كما في قوله تعالى : { إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً } [ مريم : 93 ] ولذلك يطلق العبد على الناس ، والمشهور أنه لا يطلق إلا على المخلوقات من الآدميين فيكون إطلاقُ العباد على الأصنام كإطلاق ضمير جمع العقلاء عليها بناء على الشائع في استعمال العرب يومئذ من الإطلاق ، وجعله صاحب « الكشاف » اطلاقَ تهكم واستهزاء بالمشركين ، يعني أن قصارى أمرهم أن يكونوا أحياء عقلاء فلو بلغوا تلك الحالة لما كانوا إلا مخلوقين مثلكم ، قال ولذلك أبطل أن يكونوا عباداً بفوله { ألهم أرجل } [ الأعراف : 195 ] إلى آخره .

والأحسن عندي أن يكون إطلاق العباد عليهم مجازاً بعلاقة الإطلاق عن التقييد روعي في حسنة المشاكلة التقديرية لأنه لما ماثلهم بالمخاطبين في المخلوقية وكان المخاطبون عباد الله أطلق العباد على مماثليهم مشاكلة .

وفرع على المماثلة أمر التعجيز بقوله { فادعوهم } فإنه مستعمل في التعجيز باعتبار ما تفرع عليه من قوله { فليستجيبوا لكم } المضمن إجابة الأصنام إياهم ، لأن نفس الدعاء ممكن ولكن استجابته لهم ليست ممكنة ، فإذا دعوهم فلم يستجيبوا لهم تبين عجز الآلهة عن الاستجابة لهم ، وعجز المشركين عن تحصيلها مع حرصهم على تحصيلها لانهاض حجتهم ، فئال ظهور عجز الأصنام عن الاستجابة لعبادها إلى إثبات عجز المشركين عن نهوض حجتهم لتلازم العجزين ، قال تعالى : { إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم } [ فاطر : 14 ] .

والأظهر أن المراد بالدعوة المأمور بها الدعوة للنصر والنجدة كما قال وذاك المازني إذا استنجدوا لم يسألوا من دعاهم لأيّة حرب أم بأي مكان .

وبهذا يظهر أن أمر التعجيز كناية عن ثبوت عجز الأصنام عن إجابتهم ، وعجز المشركين عن إظهار دعاء للأصنام تعقبة الاستجابة .

والأمر باللام في قوله : { فليستجيبوا } أمرُ تعجيز للأصنام ، وهو أمر الغائب فإن طريق أمر الغائب هو الأمر .

ومعنى توجيه أمر الغائب السامع أنه مأمور بأن يبلِّغ الأمر للغائب .

وهذا أيضاً كناية عن عجز الأصنام عن الاستجابه لعجزها عن تلقي التبليغ من عبدتها .