روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمۡثَالُكُمۡۖ فَٱدۡعُوهُمۡ فَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لَكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (194)

{ إِنَّ الذين تَدْعُونَ } تقريري لما قبله من عدم اتباعهم لهم ، والدعاء اما بمعنى العبادة تسمية لها بجزئها ، أو بمعنى التسمية كدعوته زيداً ومفعولاه محذوفان أي إن الذين تعبدونهم { مِن دُونِ الله } أو تسمونهم آلهة من دونه سبحانه وتعالى : { عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ } أي مماثلة لكم من حيث أنها مملوكة لله تعالى مسخرة لأمره عاجزة عن النفع والضر كما قال الأخفش ، وتشبيهاً بهم في ذلك مع كون عجزها عنهما أظهر وأقوى من عجزهم إنما هو لاعترافهم بعجز أنفسهم وزعمهم قدرتها عليهما إذ هو الذي يدعوهم إلى عبادتها والاستعانة بها ، وقيل : يحتمل أنهم لما نحتوا الأصنام بصور الأناسي قال سبحانه لهم : إن قصارى أمرهم أن يكونوا أحياء عقلاء أمثالكم فلا يستحقون عبادتكم كما لا يستحق بعضكم عبادة بعض فتكون المثلية في الحيوانية والعقل على الفرض والتقدير لكونهم بصورة الأحياء العقلاء ، وقرأ سعيد بن جبير { إِنَّ الذين تَدْعُونَ } بتخفيف إن ونب عباداً أمثالكم ، وخرجها ابن جني على أن إن نافية عملت عمل ما الحجازية وهو مذهب الكسائي وبعض الكوفيين . واعترض أولاً : بأنه لم يثبت مثل ذلك ، وثانياً : بأنه يقتضي نفي كونهم عباداً أمثالهم ، والقراءة المشهورة تثبته فتتناقض القراءتان ، وأجيب عن الأول : بأن القائل به يقول : إنه ثابت في كلام العرب كقوله :

أن هو مستولياً على أحد *** إلا على أضعف المجانين

وعن الثاني : أنه لا تناقض لأن المشهورة تثبت المثلية من بعض الوجوه وهذه تنفيها من كل الوجوه أو من وجه آخر فإن الأصنام جمادات مثلاً والداعين ليسوا بها ، وقيل : إنها إن المخففة من المثقلة وإنها على لغة من نصب بها الجزئين كقوله :

إذا اسود جنح الليل فلتأت ولتكن *** خطاك خفافا أن حراسنا أسدا

في رأي ولا يخفى ، أن إعمال المخففة ونصب جزئيهما كلاهما قليل ضعيف ، ومن هنا قيل : إنها مهملة وخبر المبتدأ محذوف وهو الناصب لعباداً و { أمثالكم } على القراءتين نعت لعباد عليهما أيضاً ، وقرىء { ءانٍ } بالتشديد و { عِبَادًا } بالنصب على أنه حال من العائد المحذوف و { أمثالكم } بالرفع على أنه خبر أن ، وقرىء به مرفوعاً في قراءة التخفيف ونصب { عِبَادِ } وخرج ذلك على الحالية والخبرية أيضاً { فادعوهم فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ } تحقيق لمضمون ما قبله بتعجيزهم وتبكيتهم أي دافعوهم في رفع ضر أو جلب نفع { إِن كُنتُمْ صادقين } في زعمكم أنهم قادرون على ما أنتم عاجزون عنه

( هذا ومن باب الإشارة ) :{ إِنَّ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله } كائناً ما كان { عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ } في العجز وعدم التأثير { فادعوهم } إلى أي أمر كان { فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صادقين } [ الأعراف : 194 ] في نسبة التأثير إليهم