معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَحۡسَبُ أَنَّ مَالَهُۥٓ أَخۡلَدَهُۥ} (3)

{ أيحسب أن ماله أخلده } في الدنيا ، يظن أنه لا يموت مع يساره .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَحۡسَبُ أَنَّ مَالَهُۥٓ أَخۡلَدَهُۥ} (3)

سورة الهمزة مكية وآياتها تسع

تعكس هذه السورة صورة من الصور الواقعية في حياة الدعوة في عهدها الأول . وهي في الوقت ذاته نموذج يتكرر في كل بيئة . . صورة اللئيم الصغير النفس ، الذي يؤتى المال فتسيطر نفسه به ، حتى ما يطيق نفسه ! ويروح يشعر أن المال هو القيمة العليا في الحياة . القيمة التي تهون أمامها جميع القيم وجميع الأقدار : أقدار الناس . وأقدار المعاني . وأقدار الحقائق . وأنه وقد ملك المال فقد ملك كرامات الناس وأقدارهم بلا حساب !

كما يروح يحسب أن هذا المال إله قادر على كل شيء ؛ لا يعجز عن فعل شيء ! حتى دفع الموت وتخليد الحياة . ودفع قضاء الله وحسابه وجزائه إن كان هناك في نظره حساب وجزاء !

ومن ثم ينطلق في هوس بهذا المال يعده ويستلذ تعداده ؛ وتنطلق في كيانه نفخة فاجرة ، تدفعه إلى الاستهانة بأقدار الناس وكراماتهم . ولمزهم وهمزهم . . يعيبهم بلسانه ويسخر منهم بحركاته . سواء بحكاية حركاتهم وأصواتهم ، أو بتحقير صفاتهم وسماتهم . . بالقول والإشارة . بالغمز واللمز . باللفتة الساخرة والحركة الهازئة !

وهي صورة لئيمة حقيرة من صور النفس البشرية حين تخلو من المروءة وتعرى من الإيمان . والإسلام يكره هذه الصورة الهابطة من صور النفوس بحكم ترفعه الأخلاقي . وقد نهى عن السخرية واللمز والعيب في مواضع شتى . إلا أن ذكرها هنا بهذا التشنيع والتقبيح مع الوعيد والتهديد ، يوحي بأنه كان يواجه حالة واقعية من بعض المشركين تجاه رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وتجاه المؤمنين . . فجاء الرد عليها في صورة الردع الشديد ، والتهديد الرعيب . وقد وردت روايات بتعيين بعض الشخصيات . ولكنها ليست وثيقة . فنكتفي نحن بما قررناه عنها . .

والتهديد يجيء في صورة مشهد من مشاهد القيامة يمثل صورة للعذاب مادية ونفسية ، وصورة للنار حسية ومعنوية . وقد لوحظ فيها التقابل بين الجرم وطريقة الجزاء وجو العقاب . فصورة الهمزة اللمزة ، الذي يدأب على الهزء بالناس وعلى لمزهم في أنفسهم وأعراضهم ، وهو يجمع المال فيظنه كفيلا بالخلود ! صورة هذا المتعالي الساخر المستقوي بالمال ، تقابلها صورة " المنبوذ " المهمل المتردي في( الحطمة )التي تحطم كل ما يلقى إليها ، فتحطم كيانه وكبرياءه . وهي( نار الله الموقدة )وإضافتها لله وتخصيصها هكذا يوحي بأنها نار فذة ، غير معهودة ، ويخلع عليها رهبة مفزعة رعيبة .

وهي( تطلع )على فؤاده الذي ينبعث منه الهمز واللمز ، وتكمن فيه السخرية والكبرياء والغرور . . وتكملة لصورة المحطم المنبوذ المهمل . . هذه النار مغلقة عليه ، لا ينقذه منها أحد ، ولا يسأل عنه فيها أحد ! وهو موثق فيها إلى عمود كما توثق البهائم بلا احترام ! وفي جرس الألفاظ تشديد : عدده . كلا . لينبذن . تطلع . ممددة وفي معاني العبارات توكيد بشتى أساليب التوكيد : ( لينبذن في الحطمة . وما أدراك ما الحطمة ? نار الله الموقدة . . )فهذا الإجمال والإبهام . ثم سؤال الاستهوال . ثم الإجابة والبيان . . كلها من أساليب التوكيد والتضخيم . . وفي التعبير تهديد ( ويل . لينبذن . الحطمة . . . نار الله الموقدة . التي تطلع على الأفئدة . إنها عليهم مؤصدة . في عمد ممددة ) . .

وفي ذلك كله لون من التناسق التصويري والشعوري يتفق مع فعلة( الهمزة اللمزة ) !

لقد كان القرآن يتابع أحداث الدعوة ويقودها في الوقت ذاته . وكان هو السلاح البتار الصاعق الذي يدمر كيد الكائدين ، ويزلزل قلوب الأعداء ويثبت أرواح المؤمنين .

وإنا لنرى في عناية الله سبحانه بالرد على هذه الصورة معنيين كبيرين :

الأول : تقبيح الهبوط الأخلاقي وتبشيع هذه الصورة الهابطة من النفوس .

والثاني : المنافحة عن المؤمنين وحفظ نفوسهم من أن تتسرب إليها مهانة الإهانة ، وإشعارهم بأن الله يرى ما يقع لهم ، ويكرهه ، ويعاقب عليه . . وفي هذا كفاية لرفع أرواحهم واستعلائها على الكيد اللئيم . . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَحۡسَبُ أَنَّ مَالَهُۥٓ أَخۡلَدَهُۥ} (3)

وقوله : { يَحْسَبُ أنّ مالَهُ أخْلَدَهُ } يقول : يحسب أن ماله الذي جمعه وأحصاه ، وبخل بإنفاقه ، مُخلدُه في الدنيا ، فمزيلٌ عنه الموت . وقيل : أخلده ، والمعنى : يخلده ، كما يقال للرجل الذي يأتي الأمر الذي يكون سببا لهلاكه : عَطِب والله فلان ، وهلك والله فلان ، بمعنى : أنه يَعْطَب من فعله ذلك ، ولما يهلك بعد ، ولم يعطب ، وكالرجل يأتي المُوبِقة من الذنوب : دخل والله فلان النار .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَحۡسَبُ أَنَّ مَالَهُۥٓ أَخۡلَدَهُۥ} (3)

{ يحسب أن ماله أخلده } تركه خالدا في الدنيا ، فأحبه كما يحب الخلود ، أو حب المال أغفله عن الموت ، أو طول أمله حتى حسب أنه مخلد ، فعمل عمل من لا يظن الموت ، وفيه تعريض بأن المخلد هو السعي للآخرة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَحۡسَبُ أَنَّ مَالَهُۥٓ أَخۡلَدَهُۥ} (3)

وجملة : { يحسب أن ماله أخلده } يجوز أن تكون حالاً من هُمَزة فيكون مستعملاً في التَّهكم عليه في حرصه على جمع المال وتعديده لأنه لا يُوجد من يَحْسب أن ماله يُخلده ، فيكون الكلام من قبيل التمثيل ، أو تكون الحال مراداً بها التشبيه وهو تشبيه بليغ .

ويجوز أن تكون الجملة مستأنفة والخبر مستعملاً في الإِنكار ، أو على تقدير همزة استفهام محذوفة مستعملاً في التهكم أو التعجيب .

وجيء بصيغة المضي في { أخلده } لتنزيل المستقبل منزلة الماضي لتحققه عنده ، وذلك زيادة في التهكم به بأنه موقن بأن ماله يخلده حتى كأنه حصل إخلاده وثبت .

والهَمزة في { أخلده } للتعدية ، أي جعله خالداً .

وقرأ الجمهور : { يحسِب } بكسر السين . وقرأه ابن عامر وعاصم وحمزة وأبو جعفر بفتح السين وهما لغتان .

ومعنى الآية : أن الذين جمعوا المال يشبه حالهم حال من يحسب أن المال يقيهم الموت ويجعلهم خالدين لأن الخلود في الدنيا أقصى متمناهم إذ لا يؤمنون بحياة أخرى خالدة .