مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{يَحۡسَبُ أَنَّ مَالَهُۥٓ أَخۡلَدَهُۥ} (3)

ثم وصفه تعالى بضرب خر من الجهل فقال : { يحسب أن ماله أخلده } .

واعلم أن أخلده وخلده بمعنى واحد ثم في التفسير وجوه ( أحدها ) : يحتمل أن يكون المعنى طول المال أمله ، حتى أصبح لفرط غفلته وطول أمله ، يحسب أن ماله تركه خالدا في الدنيا لا يموت وإنما قال : { أخلده } ولم يقل : يخلده لأن المراد يحسب هذا الإنسان أن المال ضمن له الخلود وأعطاه الأمان من الموت وكأنه حكم قد فرغ منه ، ولذلك ذكره على الماضي . قال الحسن : ما رأيت يقينا لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه كالموت ( وثانيها ) : يعمل الأعمال المحكمة كتشييد البنيان بالآجر والجص ، عمل من يظن أنه يبقى حيا أو لأجل أن يذكر بسببه بعد الموت ( وثالثها ) : أحب المال حبا شديدا حتى اعتقد أنه إن انتقص مالي أموت ، فلذلك يحفظه من النقصان ليبقى حيا ، وهذا غير بعيد من اعتقاد البخيل ( ورابعها ) : أن هذا تعريض بالعمل الصالح وأنه هو الذي يخلد صاحبه في الدنيا بالذكر الجميل وفي الآخرة في النعيم المقيم .

أما قوله تعالى : { كلا } ففيه وجهان ( أحدهما ) : أنه ردع له عن حسبانه أي ليس الأمر كما يظن أن المال يخلده بل العلم والصلاح ، ومنه قول علي عليه السلام : مات خزان المال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر ، والقول الثاني معناه حقا : { لينبذن } واللام في : { لينبذن } جواب القسم المقدر فدل ذلك على حصول معنى القسم في كلا .