قوله تعالى : { ويعبدون من دون الله } يعني : هؤلاء المشركين ، { ما لا ينفعهم } إن عبدوه ، { ولا يضرهم } إن تركوه ، { وكان الكافر على ربه ظهيراً } أي : معيناً للشيطان على ربه بالمعاصي . وقال الزجاج : أي : يعاون الشيطان على معصية الله لأن عبادتهم الأصنام معاونة للشيطان . وقيل : معناه ( وكان الكافر على ربه ظهيراً ) ، أي : هيناً ذليلاً ، كما يقال الرجل : جعلني بظهير ، أي : جعلني هيناً . ويقال : ظهرت به ، إذا جعله خلف ظهره فلم يلتفت إليه .
وفي مثل هذا الجو . جو الخلق والتقدير . وأمام تلك الحياة الناشئة من ماء السماء وماء النطفة . المزودة بتلك الخصائص ، التي تجعل من خلية ذكرا بمميزاته كلها ووراثاته ، وتجعل من خلية أنثى بمميزاتها كذلك ووراثاتها . . في مثل هذا الجو تبدو عبادة غير الله شيئا مستغربا مستنكرا تشمئز منه الفطرة . . وهنا يعرض عباداتهم من دون الله .
( ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم . وكان الكافر على ربه ظهيرا ) . .
( وكان الكافر على ربه ظهيرا ) . . كل كافر - ومشركو مكة من ضمنهم ! - إنما هو حرب على ربه الذي خلقه وسواه . فكيف ذلك ، وهو صغير ضئيل لا يبلغ أن يكون حربا ولا ضدا على الله ? إنه حرب على دينه . وحرب على منهجه الذي أراده للحياة . إنما يريد التعبير أن يفظع جريمته ويبشعها ، فيصوره حربا على ربه ومولاه !
فهو يحارب ربه حين يحارب رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ورسالته ، فلا على الرسول منه ، فإنما الحرب مع الله ، وهو به كفيل . ثم يطمئن الله عبده ، ويخفف العبء عن عاتقة ، ويشعره أنه حين يؤدي واجبه في التبشير والإنذار ، وجهاد الكفار بما معه من قرآن فلا عليه من عداء المجرمين له ولا عناد الكافرين . والله يتولى عنه المعركة مع أعدائه الذين إنما يعادون الله . فليتوكل على ربه . والله أعلم بذنوب عباده !
القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُهُمْ وَلاَ يَضُرّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَىَ رَبّهِ ظَهِيراً } .
يقول تعالى ذكره : ويعبد هؤلاء المشركون بالله من دونه آلهة لا تنفعهم ، فتجلب إليهم نفعا إذا هم عبدوها ، ولا تضرّهم إن تركوا عبادتها ، ويتركون عبادة من أنعم عليهم هذه النعم التي لا كفاء لأدناها ، وهي ما عدّد علينا جلّ جلاله في هذه الاَيات من قوله : ألَمْ تَرَ إلى رَبّكَ كَيْفَ مَدّ الظّلّ إلى قوله : قَدِيرا . ومن قدرته القدرة التي لا يمتنع عليه معها شيء أراده ، ولا يتعذّر عليه فعل شيء أراد فعله ، ومن إذا أراد عقاب بعض من عصاه من عباده أحلّ به ما أحلّ بالذين وصف صفتهم من قوم فرعون وعاد وثمود وأصحاب الرّسّ ، وقرونا بين ذلك كثيرا ، فلم يكن لمن غضب عليه منه ناصر ، ولا له عنه دافع . وكانَ الكافِرُ عَلى رَبّهِ ظَهِيرا يقول تعالى ذكره : وكان الكافر معينا للشيطان على ربه ، مظاهرا له على معصيته . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن ليث ، عن مجاهد وكانَ الكافِرُ عَلى رَبّهِ ظَهِيرا قال : يظاهر الشيطان على معصية الله بعينه .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله عَلى رَبّهِ ظَهِيرا قال : معينا .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، مثله . قال ابن جُرَيج : أبو جهل معينا ظاهر الشيطان على ربه .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الحسن ، في قوله : وكانَ الكافِرُ عَلى رَبّه ظَهيرا قال : عونا للشيطان على ربه على المعاصي .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله وكانَ الكافِرُ عَلى رَبّهِ ظَهِيرا قال : على ربه عوينا . والظهير : العوين . وقرأ قول الله : فَلاَ تَكُونَنّ ظَهِيرا للكافِرينَ قال : لا تكونن لهم عوينا . وقرأ أيضا قول الله : وأنْزلَ الّذِين ظاهَرُوهُمْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ مِنْ صياصِيهِمْ قال : ظاهروهم : أعانوهم .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله وكانَ الكافِرُ عَلى رَبّهِ ظَهِيرا يعني : أبا الحكم الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبا جهل بن هشام .
وقد كان بعضهم يوجه معنى قوله وكانَ الكافِرُ عَلى رَبّهِ ظَهِيرا أي وكان الكافر على ربه هينا من قول العرب : ظهرت به ، فلم ألتفت إليه ، إذا جعله خلف ظهره فلم يلتفت إليه ، وكأنّ الظهير كان عنده فعيل صرف من مفعول إليه من مظهور به ، كأنه قيل : وكان الكافر مظهورا به . والقول الذي قلناه هو وجه الكلام ، والمعنى الصحيح ، لأن الله تعالى ذكره أخبر عن عبادة هؤلاء الكفار من دونه ، فأولى الكلام أن يتبع ذلك ذمّه إياهم ، وذمّ فعلهم دون الخبر عن هوانهم على ربهم ، ولِما يجر لاستكبارهم عليه ذكر ، فيتبع بالخبر عن هوانهم عليه .
{ ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم } يعني الأصنام أو كل ما عبد من دون الله إذ ما من مخلوق يستقل بالنفع والضر . { وكان الكافر على ربه ظهيرا } يظاهر الشيطان بالعداوة والشرك والمراد ب { الكافر } الجنس أو أبو جهل . وقيل هينا مهينا لا وقع له عنده من قولهم ظهرت به إذا نبذته خلف ظهرك فيكون كقوله { ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم } .
ثم ذكر تعالى خطأهم في عبادته أصناماً لا تملك لهم ضراً ولا نفعاً وقوله { وكان الكافر على ربه ظهيراً } فيه تأويلان : أحدهما أن «الظهير » المعين فتكون الآية بمعنى توبيخهم على ذلك من أن الكفار يعينون على ربهم غيرهم من الكفرة والشيطان بأن يطيعوه ويظاهروه ، وهذا هو تأويل مجاهد والحسن وابن زيد ، والثاني ذكره الطبري أن يكون «الظهير » فعيلاً ، من قولك ظهرت الشيء إذا طرحته وراء ظهرك واتخذته ظهرياً ، فيكون معنى الآية على هذا التأويل احتقار الكفرة{[8855]} ، و { الكافر } في هذه الآية اسم الجنس وقال ابن عباس بل هو معين أراد به أبا جهل بن هشام .
قال الفقيه الإمام القاضي : ويشبه أن أبا جهل سبب الآية ولكن اللفظ عام للجنس كله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.