معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ جَزَيۡنَٰهُم بِمَا كَفَرُواْۖ وَهَلۡ نُجَٰزِيٓ إِلَّا ٱلۡكَفُورَ} (17)

قوله تعالى : { ذلك جزيناهم بما كفروا } أي : ذلك الذي فعلنا بهم جزيناهم بكفرهم ، { وهل نجازي إلا الكفور } قرأ حمزة ، والكسائي ، وحفص ، ويعقوب : وهل نجازي بالنون وكسر الزاي ، الكفور نصب لقوله : ذلك جزيناهم ، وقرأ الآخرون بالياء وفتح الزاي ، الكفور نصب لقوله ذلك جزيناهم . وقرأ الآخرون بالياء وفتح الزاي( الكفور ) رفع ، أي : وهل يجازي مثل هذا الجزاء إلا الكفور . وقال مجاهد : يجازي أي : يعاقب . ويقال في العقوبة : يجازي ، وفي المثوبة يجزي . قال مقاتل : هل يكافأ بعمله السيئ إلا الكفور لله في نعمه . قال الفراء : المؤمن يجزى ولا يجازى ، أي : يجزى الثواب بعمله ولا يكافأ بسيئاته .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ جَزَيۡنَٰهُم بِمَا كَفَرُواْۖ وَهَلۡ نُجَٰزِيٓ إِلَّا ٱلۡكَفُورَ} (17)

10

( ذلك جزيناهم بما كفروا ) . .

والأرجح أنه كفران النعمة . .

( وهل نجازي إلا الكفور ) . .

وكانوا إلى هذا الوقت ما يزالون في قراهم وبيوتهم . ضيق الله عليهم في الرزق ، وبدلهم من الرفاهية والنعماء خشونة وشدة ؛ ولكنه لم يمزقهم ولم يفرقهم .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ جَزَيۡنَٰهُم بِمَا كَفَرُواْۖ وَهَلۡ نُجَٰزِيٓ إِلَّا ٱلۡكَفُورَ} (17)

وقوله : ذلكَ جَزَيْناهُمْ بِمَا كَفَرُوا يقول تعالى ذكره : هذا الذي فعلنا بهؤلاء القوم من سبأ من إرسالنا عليهم سيل العرم ، حتى هلكت أموالهم ، وخَرِبت جناتهم ، جزاء منّا على كفرهم بنا ، وتكذيبهم رسلنا «وذلك » من قوله : ذلكَ جَزَيْناهُمْ في موضع نصب بوقوع جزيناهم عليه ومعنى الكلام : جزيناهم ذلك بما كفروا .

وقوله : وَهَلْ نُجازِي إلاّ الكَفُورَ اختلفت القرّاء في قراءته ، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة ، وبعضُ أهل الكوفة : «وَهَلْ يُجازَي » بالياء وبفتح الزاي على وجه ما لم يُسَمّ فاعله «إلاّ الكَفُورُ » رفعا . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة : وَهَلْ نُجازِي بالنون وبكسر الزاي إلاّ الكَفُورَ بالنصب .

والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان في قرّاء الأمصار ، متقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب . ومعنى الكلام : كذلك كافأناهم على كفرهم بالله ، وهل يُجازَي إلا الكفور لنعمة الله ؟ .

فإن قال قائل : أو ما يجزي الله أهل الإيمان به على أعمالهم الصالحة ، فيخصّ أهل الكفر بالجزاء ؟ فيقال وهل يجازي إلا الكفور ؟ قيل : إن المجازاة في هذا الموضع : المكافأة ، والله تعالى ذكره وعد أهل الإيمان به التفضل عليهم ، وأن يجعل لهم بالواحدة من أعمالهم الصالحة عشرَ أمثالها إلى ما لا نهاية له من التضعيف ، ووعد المسيء من عباده أن يجعل بالواحدة من سيئاته ، مثلَها مكافأة له على جُرمه ، والمكافأة لأهل الكبائر والكفر والجزاء لأهل الإيمان مع التفضل ، فلذلك قال جلّ ثناؤه في هذا الموضع : «وَهَلْ يُجازَي إلاّ الكَفُورُ » ؟ كأنه قال جلّ ثناؤه : لا يجازَي : لا يكافأ على عمله إلا الكفور ، إذا كانت المكافأة مثل المكافَأ عليه ، والله لا يغفر له من ذنوبه شيئا ، ولا يُمَحّصُ شيء منها في الدنيا . وأما المؤمن فإنه يتفضل عليه على ما وصفتُ .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَهَلْ نُجازِي : نعاقِب .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ذلكَ جَزَيْناهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إلاّ الكَفُورَ إن الله تعالى إذا أراد بعبده كرامة تقبّل حسناته ، وإذا أراد بعبده هوانا أمسك عليه ذنوبه حتى يُوَافيَ به يوم القيامة . قال : وذُكر لنا أن رجلاً بينما هو في طريق من طرق المدينة ، إذا مرّت به امرأة ، فأتبعها بصره ، حتى أتى على حائط ، فشجّ وجهه ، فأتى نبيّ الله ووجهه يسيل دما ، فقال : يا نبيّ الله فعلت كذا وكذا ، فقال له نبيّ الله : «إنّ اللّهَ إذَا أرَادَ بِعَبْدٍ كَرَامَةً ، عَجّلَ لَهُ عُقُوبَةَ ذَنْبِهِ فِي الدنيا ، وإذَا أرَادَ اللّهُ بِعَبْدٍ هَوَانا أمْسَكَ عَلَيْهِ ذَنْبَهُ حتى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ القِيامَةِ ، كأنّهُ عَيرٌ أبْتَر » .