الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{ذَٰلِكَ جَزَيۡنَٰهُم بِمَا كَفَرُواْۖ وَهَلۡ نُجَٰزِيٓ إِلَّا ٱلۡكَفُورَ} (17)

ثم قال : { ذلك جزيناهم بما كفروا } أي عاقبناهم بكفرهم بالله ورسله أي : هذا الذي فعلنا بهم جزاء منا لهم بكفرهم .

وقيل : التقدير : وجزيناهم ذلك بكفرهم{[55903]} .

ف { ذلك } في موضع نصب على هذا ، وفي موضع رفع على القول الأول على الخبر للابتداء{[55904]} المحذوف .

ثم قال : { وهل يجازى إلا الكفور }أي : وهل يكافأ إلا من كفر بالله ، فأما جزاء المؤمنين فهو تفضل من الله لا مكافأة ، لأنه جعل لهم بالحسنة عشرا ، فذلك تفضل منه ، وجعل للمسيء بالواحدة واحدة مكافأة له على جرمه ، فالمكافآت لأهل الكبائر والكفر ، والمجازاة لأهل الإيمان مع التفضل .

قال مجاهد : { يجازى } يعاقب{[55905]} .

قال قتادة : إذا أراد بعبد كرامة يقبل حسناته ، وإذا أراد بعبد هوانا أمسك عليه ذنوبه حتى يوافى بها يوم القيامة{[55906]} .

وقيل : المعنى : ليس يجازى بمثل هذا الجزاء الذي هو الاصطلام{[55907]} والهلاك إلا من كفر{[55908]} .

وروت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من حوسب هلك ، قالت : فقلت يا نبي الله ، فأين قوله : { فسوف يحاسب حسابا يسيرا }{[55909]} قال : إنما ذلك العرض ومن نوقش الحساب هلك " {[55910]} .


[55903]:انظر: البيان لابن الأنباري 2/279
[55904]:في الأصل: "الابتداء"
[55905]:انظر: صحيح البخاري كتاب التفسير تفسير سورة سبأ 6/28 وجامع البيان 22/83 وتفسير سفيان الثوري 243 والجامع للقرطبي 14/288 وتفسير مجاهد 554
[55906]:انظر: جامع البيان 22/83
[55907]:الاصطلام هو الاستئصال: واصطلم القوم إذا أبيدوا من أصلهم انظر: اللسان مادة "صلم" 12/240
[55908]:انظر: إعراب النحاس 3/340 والجامع للقرطبي 14/288 حيث ورد هذا القول غير منسوب أيضا
[55909]:الإنشقاق: آية 8
[55910]:أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب العلم، باب من سمع شيئا فراجع حتى يعرفه 1/34 ومسلم في صحيحه كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب إثبات الحساب 8/164 وأبو داود في سننه رقم 3093 وأحمد في مسنده 6/206