قوله تعالى : { فبأي آلاء ربكما تكذبان* ومن دونهما جنتان } أي : من دون الجنتين الأوليين جنتان أخريان . قال ابن عباس : دونهما في الدرج . وقال ابن زيد : من دونهما في الفضل . وقال أبو موسى الأشعري : جنتان من ذهب للسابقين وجنتان من فضة للتابعين . وقال ابن جريج : هن أربع جنات ، جنتان للمقربين السابقين فيهما من كل فاكهة زوجان وجنتان لأصحاب اليمين والتابعين { فيهما فاكهة ونخل ورمان } .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد ابن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، أنبأنا علي بن عبد الله ، عن عبد العزيز ابن عبد الصمد ، عن أبي عمران ، عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما ، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن " . وقال الكسائي : ومن دونهما يعني أمامهما وقبلهما ، يدل عليه قول الضحاك : الجنتان الأوليان من ذهب وفضة والأخريان من ياقوت .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم ذكر جنات أصحاب اليمين، فقال: {ومن دونهما} يعني ومن دون جنتي المقربين والصديقين، والشهداء في الفضل {جنتان} وهما جنة الفردوس، وجنة المأوى...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: ومن دون هاتين الجنتين اللتين وصف الله جلّ ثناؤه صفتهما التي ذكر أنهما لمن خاف مقام ربه جنتان. ثم اختلف أهل التأويل في معنى قوله:"وَمِنْ دُونِهِما "في هذا الموضع؛
فقال بعضهم: معنى ذلك: ومن دونهما في الدّرَج...
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ومن دونهما في الفضل.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
فإن كانت الجنتان اللتان سبق ذكرهما للسابقين والصديقين، فهاتان اللتان ذكرهما ههنا لأصحاب اليمين على ما ذكره بعض أهل التأويل، فجائز أن يكون قوله تعالى: {ومن دونهما جنتان} أي في الفضل والقدر والمنزلة لفضل أولئك على أصحاب اليمين. وإن كانت الجنات جميعا لكل فريق منهم فجائز أن يكون قوله: {ومن دونهما جنتان} في المكان والموضع لا في الفضل والقدر. فكأنه قال: من أي جهة وقع بصرهم يقع على جناتهم من فوق ومن تحت وعن يمين وشمال؛ أي يكونون وسط الجنات، لا يحتاجون إلى التحويل من مكان إلى مكان كقوله تعالى: {لا يبغون عنها حولا} [الكهف: 108].
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
(ومن دونهما جنتان) معناه إن من دون الجنتين اللتين ذكرنا (لمن خاف مقام ربه) جنتين أخرتين دون الأولتين، وإنهما أقرب إلى قصره ومجالسه في قصره ليتضاعف له السرور بالتنقل من جنة إلى جنة على ما هو معروف في طبع البشرية من شهوة مثل ذلك. ومعنى (دون) مكان قريب من الشيء بالإضافة إلى غيره، مما ليس له مثل قربه، وهو ظرف مكان، وإنما كان التنقل من جهة إلى جهة أنفع، لأنه أبعد من الملل على ما طبع عليه البشر، لان من الاشياء ما لا يمل لغلبة محبته على النفس بالأمر اللازم، ومنها ما يمل لتطلع النفس إلى غيره، ثم الرجوع اليه.
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
فإن قيل: كيف لم يذكر أهل هاتين الجنتين كما ذكر أهل الجنتين الأوليين؟ قيل: الجنان الأربع لمن خاف مقام ربه إلا أن الخائفين لهم مراتب، فالجنتان الأوليان لأعلى العباد رتبة في الخوف من الله تعالى، والجنتان الأخريان لمن قصرت حال في الخوف من الله تعالى.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
والدليل على شرف الأوليين على الأخريين وجوه: أحدها: أنه نعت الأولين قبل هاتين، والتقديم يدل على الاعتناء.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
{من دونهما} يحتمل أن (دون) بمعنى (غير)، أي ولمن خاف مقام ربه جنتان وجنتان أخريان غيرهما، كقوله تعالى: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} [يونس: 26]. ووُصف ما في هاتين الجنتين بما يقارب ما وصف به ما في الجنتين الأوليين وصفاً سُلك فيه مسلك الإِطناب أيضاً لبيان حسنهما ترغيباً في السعي لنيلهما بتقوى الله تعالى فذلك موجب تكرير بعض الأوصاف أو ما يقرب من التكرير بالمترادفات.
التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :
{ومن دونهما جنتان} إنهما دون الأوليين في المرتبة؛ لأن المؤمنين متفاوتون في الأعمال فاقتضت الحكمة أن تكون جناتهم متفاوتة. وقد لا يخلو هذا من وجاهة. وفي القرآن آيات نبهت على التفاوت في درجات المؤمنين وجزائهم في الآخرة. منها ما مرّ في سورة الواقعة [الآيات 7-39] ومنها آية سورة الحديد هذه: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ {10}}.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.