قوله تعالى : " ومن دونهما جنتان " أي وله من دون الجنتين الأوليين جنتان أخريان . قال ابن عباس : ومن دونهما في الدرج . ابن زيد : ومن دونهما في الفضل . ابن عباس : والجنات لمن خاف مقام ربه ، فيكون في الأوليين النخل والشجر ، وفي الأخريين الزرع والنبات وما انبسط . الماوردي : ويحتمل أن يكون " ومن دونهما جنتان " لأتباعه لقصور منزلتهم عن منزلته ، إحداهما للحور العين ، والأخرى للولدان المخلدين ، ليتميز بهما الذكور عن الإناث . وقال ابن جريج : هي أربع : جنتان منها للسابقين المقربين " فيهما من كل فاكهة زوجان " [ الرحمن : 52 ] و " عينان تجريان " [ الرحمن : 50 ] ، وجنتان لأصحاب اليمين " فيهما فاكهة ونخل ورمان " [ الرحمن : 68 ] و " فيهما عينان نضاختان " [ الرحمن : 66 ] . وقال ابن زيد : إن الأولين من ذهب للمقربين ، والأخريين من ورق لأصحاب اليمين .
قلت : إلى هذا ذهب الحليمي أبو عبدالله الحسن بن الحسين في كتاب " منهاج الدين " له ، واحتج بما رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس " ولمن خاف مقام ربه جنتان " [ الرحمن : 46 ] إلى قوله : " مدهامتان " قال : تلك للمقربين ، وهاتان لأصحاب اليمين . وعن أبي موسى الأشعري نحوه . ولما وصف الله الجنتين أشار إلى الفرق بينهما فقال في الأوليين : " فيهما عينان تجريان " [ الرحمن : 50 ] وفي الأخريين : " فيهما عينان نضاختان " [ الرحمن : 66 ] أي فوارتان ولكنهما ليستا كالجاريين لأن النضخ دون الجري . وقال في الأوليين : " فيهما من كل فاكهة زوجان " [ الرحمن : 52 ] فعم ولم يخص . وفي الأخريين : " فيهما فاكهة ونخل ورمان " [ الرحمن : 68 ] ولم يقل كل فاكهة ، وقال في الأوليين : " متكئين على فرش بطائنها من إستبرق " [ الرحمن : 54 ] وهو الديباج ، وفي الأخريين " متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان " [ الرحمن : 76 ] والعبقري الوشي ، ولا شك أن الديباج أعلى من الوشي ، والرفرف كسر الخباء ، ولا شك أن الفرش المعدة للاتكاء عليها أفضل من فضل الخباء . وقال في الأوليين في صفة الحور : " كأنهن الياقوت والمرجان " [ الرحمن : 58 ] ، وفي الأخريين " فيهن خيرات حسان " [ الرحمن : 70 ] وليس كل حسن كحسن الياقوت والمرجان . وقال في الأوليين : " ذواتا أفنان " [ الرحمن : 48 ] وفي الأخريين " مدهامتان " أي خضراوان كأنهما من شدة خضرتهما سوداوان ، ووصف الأوليين بكثرة الأغصان ، والأخريين بالخضرة وحدها ، وفي هذا كله تحقيق للمعنى الذي قصدنا بقوله " ومن دونهما جنتان " ولعل ما لم يذكر من تفاوت ما بينهما أكثر مما ذكر . فإن قيل : كيف لم يذكر أهل هاتين الجنتين كما ذكر أهل الجنتين الأوليين ؟ قيل : الجنان الأربع لمن خاف مقام ربه إلا أن الخائفين لهم مراتب ، فالجنتان الأوليان لأعلى العباد رتبة في الخوف من الله تعالى ، والجنتان الأخريان لمن قصرت حال في الخوف من الله تعالى . ومذهب الضحاك أن الجنتين الأوليين من ذهب وفضة ، والأخريين من ياقوت وزمرد وهما أفضل من الأوليين ، وقوله : " ومن دونهما جنتان " أي من أمامهما ومن قبلهما . وإلى هذا القول ذهب أبو عبدالله الترمذي الحكيم في " نوادر الأصول " فقال : ومعنى " ومن دونهما جنتان " أي دون هذا إلى العرش ، أي أقرب وأدنى إلى العرش ، وأخذ يفضلهما على الأوليين بما سنذكره عنه . وقال مقاتل : الجنتان الأوليان جنة عدن وجنة النعيم ، والأخريان جنة الفردوس وجنة المأوى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.