يقول تعالى مخبرًا عن عدله وتنزيهه نفسه عن اللعب والعبث والباطل ، كقوله : { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ } [ ص : 27 ] ، وقال { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ } [ المؤمنون : 115 ، 116 ] .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَا خَلَقْنَا السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَآ إِلاّ بِالْحَقّ وَلََكِنّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } .
يقول تعالى ذكره : وما خَلَقْنَا السّموَاتِ السبع والأرضين وما بينهما من الخلق لَعِبا . وقوله : ما خَلَقْناهُما إلاّ بالحَقّ يقول : ما خلقنا السموات والأرض إلاّ بالحقّ الذي لا يصلح التدبير إلاّ به . وإنما يعني بذلك تعالى ذكره التنبيه على صحة البعث والمجازاة ، يقول تعالى ذكره : لم نخلق الخلق عبثا بأن نحدثهم فنحييهم ما أردنا ، ثم نفنيهم من غير الامتحان بالطاعة والأمر والنهي ، وغير مجازاة المطيع على طاعته ، والعاصي على المعصية ، ولكن خلقنا ذلك لنبتلي من أردنا امتحانه من خلقنا بما شئنا من امتحانه من الأمر والنهي لِنَجْزِيَ الّذِينَ أساءُوا بِما عَمِلُوا وَنجْزِيَ الّذِينَ أحْسَنُوا بالحُسْنَى .
وَلَكِنّ أكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ يقول تعالى ذكره : ولكن أكثر هؤلاء المشركين بالله لا يعلمون أن الله خلق ذلك لهم ، فهم لا يخافون على ما يأتون من سخط الله عقوبة ، ولا يرجون على خير إن فعلوه ثوابا لتكذيبهم بالمعاد .
عطف على جملة { إن هؤلاء ليقولون إن هي إلا موتتنا الأولى } [ الدخان : 34 ، 35 ] ردّاً عليهم كما علمته آنفاً . والمعنى : أنه لو لم يكن بعثٌ وجزاءٌ لكان خلق السماوات والأرض وما بينهما عبثاً ، ونحن خلقنا ذلك كله بالحق ، أي بالحكمة كما دل عليه إتقان نظام الموجودات ، فلا جرم اقتضى خلق ذلك أن يجازَى كل فاعل على فعله وأن لا يضاع ذلك ، ولما كان المشاهد أن كثيراً من النّاس يقضي حياته ولا يرى لنفسه جزاء على أعماله تعيّن أن الله أخّر جزاءهم إلى حياة أخرى وإلا لكان خلقهم في بعض أحواله من قبيل اللعب .
وذكر اللعب توبيخ للذين أحالوا البعث والجزاء بأنهم اعتقدوا ما يفضي بهم إلى جعل أفعال الحكيم لعباً ، وقد تقدم وجه الملازمة عند تفسير قوله تعالى : { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا تُرجعون } في سورة المؤمنون ( 115 ) وعند قوله تعالى : { وما خلقنا السماء والأرض وَما بينهما باطلاً ذلك ظن الذين كفروا } في سورة ص ( 27 ) .
و{ لاعبين } حال من ضمير { خلقنا } ، والنفي متوجه إلى هذا الحال فاقتضى نفي أن يكون شيء من خلق ذلك في حالة عبث فمن ذلك حالة إهمال الجزاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.