القول في تأويل قوله تعالى : { قَالُواْ رَبّنَا مَن قَدّمَ لَنَا هََذَا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِي النّارِ } .
وهذا أيضا قول الفوج المقتحم على الطاغين ، وهم كانوا أتباع الطاغين في الدنيا ، يقول جلّ ثناؤه : وقال الأتباع : رَبّنا مَنْ قَدّمَ لَنا هَذَا يعنون : من قدّم لهم في الدنيا بدعائهم إلى العمل الذي يوجب لهم النار التي ورودها ، وسُكنى المنزل الذي سكنوه منها . ويعنون بقولهم هَذَا : العذاب الذي وردناه فَزِدْهُ عَذَابا ضِعْفا في النّارِ يقولون : فأضعف له العذاب في النار على العذاب الذي هو فيه فيها ، وهذا أيضا من دعاء الأتباع للمتبوعين .
{ قالوا } أي الفوج المقتحم وهو فوج الأتباع ، فهذا من كلام الذين قالوا { بل أنتم لا مرحباً بكم } [ ص : 60 ] لأن قولهم : { من قدَّم لنا هذا } يعين هذا المحمل . ولذلك حق أن يتساءل الناظر عن وجه إعادة فعل { قالوا } وعن وجه عدم عطفه على قولهم الأول .
فأما إعادة فعل القول فلإِفادة أن القائلين هم الأتباع فأعِيد فعل القول تأكيداً للفعل الأول لقصد تأكيد فاعل القول تبعاً لأنه محتمل لضمير القائلين .
والمقصود من حكاية قولهم : { هذا } تحذير كبراء المشركين من عواقب رئاستهم وزعامتهم التي يجرون بها الويلات على أتباعهم فيوقعونهم في هاوية السوء حتى لا يجد الأتباع لهم جزاء بعد الفوت إلا طلب مضاعفة العذاب لهم . وأما تجريد فعل { قالوا } عن العاطف فلأنهُ قصد به التوكيد اللفظي والتوكيد اللفظي يكون على مثال الموكَّد .
ولا تلتبس حكاية هذا القول على هذه الكيفية بحكاية المحاورات فيحسب أنه من كلام الفريق الآخر لأن الدعاء بعنوان { من قدَّم لنا هذا } يعين أن قائليه هم القائلون { أنتُم قدَّمْتُمُوهُ لَنَا } [ ص : 60 ] ، وأن الذين قدّموا لهم هم الطاغون . وفي معنى هذه الآية آية سورة [ الأعراف : 38 ] { قالت أُخراهم لأُولاهم ربنا هؤلاء أضلّونا فآتهم عذاباً ضعفاً من النار } .
و { مَن } في قوله : { من قدَّمَ لنا هذَا } موصولة ، وجملة { فَزِدْهُ } خبر عن { مَن } ، واقتران الخبر بالفاء جرى على معاملة الموصول معاملة الشرط في قرن خبره بالفاء وهو كثير ، وتقدم عند قوله تعالى : { والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل اللَّه فبشرهم بعذاب أليم } في سورة [ براءة : 34 ] .
والضعف ، بكسر الضاد : يستعمل اسم مصدر ضَعَّف وضاعف ، فهو اسم التضعيف والمضاعفة ، أي تكرير المقدار وتكرير القوة ، وهو من الألفاظ المتضايفة المعاني كالنصف والزوج .
ويستعمل اسماً بمعنى الشيء المضاعف ، وهذا هو قياس زنة فِعْل بكسر الفاء وسكون العين ، فهو بمعنى : الشيء الذي ضوعف لأن زنه فِعْل تدلّ على ما سلط عليه فعل نحو ذِبْح ، أي مذبوح .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
قالت الأتباع: {قالوا ربنا من قدم لنا هذا} من زين لنا هذا: من سبب لنا هذا الكفر {فزده عذابا ضعفا في النار}.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وهذا أيضا قول الفوج المقتحم على الطاغين، وهم كانوا أتباع الطاغين في الدنيا، يقول جلّ ثناؤه: وقال الأتباع:"رَبّنا مَنْ قَدّمَ لَنا هَذَا" يعنون: من قدّم لهم في الدنيا بدعائهم إلى العمل الذي يوجب لهم النار التي ورودها، وسُكنى المنزل الذي سكنوه منها. ويعنون بقولهم "هَذَا": العذاب الذي وردناه، "فَزِدْهُ عَذَابا ضِعْفا في النّارِ "يقولون: فأضعف له العذاب في النار على العذاب الذي هو فيه فيها، وهذا أيضا من دعاء الأتباع للمتبوعين.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{من قدم لن هذا} من شرع لنا هذا وسن الدين الذي كنا عليه...
إن قيل كل مقدار يفرض من العذاب فإن كان بقدر الاستحقاق لم يكن مضاعفا، وإن كان زائدا عليه كان ظالما وإنه لا يجوز، قلنا المراد منه قوله عليه السلام: « ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة» والمعنى أنه يكون أحد القسمين عذاب الضلال، والثاني عذاب الإضلال.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كان قول الأتباع هذا مفهماً لأنهم علموا أن سبب ما وصلوا إليه من الشقاء هو الرؤساء، وكان هذا موجباً لنهاية غيظهم منهم، تشوف السامع لما يكون من أمرهم معهم؟ هل يكتفون بما أجابوهم به أو يكون منهم شيء آخر؟ فاستأنف قوله إعلاماً بأنهم لم يكتفوا بذلك وعلموا أنهم لا يقدرون على الانتقام منهم: {قالوا} أي الأتباع: {ربنا} أي أيها المحسن إلينا الذي منعنا هؤلاء عن الشكر له.
{من قدم لنا هذا} أي العذاب بما قدم لنا من الأسباب التي اقتحمناه، وقدموا ذلك اهتماماً به وأجابوا الشرط بقولهم: {فزده}...
{عذاباً ضعفاً} أي زائداً على ذلك مثله مرة أخرى بالإضلال، وقيدوه طلباً لفخامته بقولهم معبرين بالظرف لإفهام الضيق الذي تقدم الدعاء المجاب فيه به ليكون عذاباً آخر، فهو أبلغ مما في الأعراف؛ لأن السياق هنا للطاغين وهناك لمطلق الكافرين.
{في النار} أي كائناً فيها، وهذا مثل الآية الأخرى ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيراً أي مثل عذابنا مرّتين...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
{قالوا} أي الفوج المقتحم وهو فوج الأتباع، فهذا من كلام الذين قالوا {بل أنتم لا مرحباً بكم}؛ لأن قولهم: {من قدَّم لنا هذا} يعين هذا المحمل، ولذلك حق أن يتساءل الناظر عن وجه إعادة فعل {قالوا} وعن وجه عدم عطفه على قولهم الأول فأما إعادة فعل القول فلإِفادة أن القائلين هم الأتباع فأعِيد فعل القول تأكيداً للفعل الأول لقصد تأكيد فاعل القول تبعاً لأنه محتمل لضمير القائلين.
والمقصود من حكاية قولهم: {هذا} تحذير كبراء المشركين من عواقب رئاستهم وزعامتهم التي يجرون بها الويلات على أتباعهم فيوقعونهم في هاوية السوء حتى لا يجد الأتباع لهم جزاء بعد الفوت إلا طلب مضاعفة العذاب لهم.
وأما تجريد فعل {قالوا} عن العاطف؛ فلأنهُ قصد به التوكيد اللفظي والتوكيد اللفظي يكون على مثال الموكَّد، ولا تلتبس حكاية هذا القول على هذه الكيفية بحكاية المحاورات، فيحسب أنه من كلام الفريق الآخر؛ لأن الدعاء بعنوان {من قدَّم لنا هذا} يعين أن قائليه هم القائلون {أنتُم قدَّمْتُمُوهُ لَنَا}، وأن الذين قدّموا لهم هم الطاغون. وفي معنى هذه الآية آية سورة [الأعراف: 38] {قالت أُخراهم لأُولاهم ربنا هؤلاء أضلّونا فآتهم عذاباً ضعفاً من النار}...
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
من المفارقات في هذا المشهد المفجع أنهم يتجهون إلى الله مهطعين خاشعين، داعين على من أضلهم وأغواهم، وأمسك بمقادتهم إلى النار: {قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار}.