التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{قَالُواْ رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَٰذَا فَزِدۡهُ عَذَابٗا ضِعۡفٗا فِي ٱلنَّارِ} (61)

{ قالوا } أي الفوج المقتحم وهو فوج الأتباع ، فهذا من كلام الذين قالوا { بل أنتم لا مرحباً بكم } [ ص : 60 ] لأن قولهم : { من قدَّم لنا هذا } يعين هذا المحمل . ولذلك حق أن يتساءل الناظر عن وجه إعادة فعل { قالوا } وعن وجه عدم عطفه على قولهم الأول .

فأما إعادة فعل القول فلإِفادة أن القائلين هم الأتباع فأعِيد فعل القول تأكيداً للفعل الأول لقصد تأكيد فاعل القول تبعاً لأنه محتمل لضمير القائلين .

والمقصود من حكاية قولهم : { هذا } تحذير كبراء المشركين من عواقب رئاستهم وزعامتهم التي يجرون بها الويلات على أتباعهم فيوقعونهم في هاوية السوء حتى لا يجد الأتباع لهم جزاء بعد الفوت إلا طلب مضاعفة العذاب لهم . وأما تجريد فعل { قالوا } عن العاطف فلأنهُ قصد به التوكيد اللفظي والتوكيد اللفظي يكون على مثال الموكَّد .

ولا تلتبس حكاية هذا القول على هذه الكيفية بحكاية المحاورات فيحسب أنه من كلام الفريق الآخر لأن الدعاء بعنوان { من قدَّم لنا هذا } يعين أن قائليه هم القائلون { أنتُم قدَّمْتُمُوهُ لَنَا } [ ص : 60 ] ، وأن الذين قدّموا لهم هم الطاغون . وفي معنى هذه الآية آية سورة [ الأعراف : 38 ] { قالت أُخراهم لأُولاهم ربنا هؤلاء أضلّونا فآتهم عذاباً ضعفاً من النار } .

و { مَن } في قوله : { من قدَّمَ لنا هذَا } موصولة ، وجملة { فَزِدْهُ } خبر عن { مَن } ، واقتران الخبر بالفاء جرى على معاملة الموصول معاملة الشرط في قرن خبره بالفاء وهو كثير ، وتقدم عند قوله تعالى : { والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل اللَّه فبشرهم بعذاب أليم } في سورة [ براءة : 34 ] .

والضعف ، بكسر الضاد : يستعمل اسم مصدر ضَعَّف وضاعف ، فهو اسم التضعيف والمضاعفة ، أي تكرير المقدار وتكرير القوة ، وهو من الألفاظ المتضايفة المعاني كالنصف والزوج .

ويستعمل اسماً بمعنى الشيء المضاعف ، وهذا هو قياس زنة فِعْل بكسر الفاء وسكون العين ، فهو بمعنى : الشيء الذي ضوعف لأن زنه فِعْل تدلّ على ما سلط عليه فعل نحو ذِبْح ، أي مذبوح .