معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَجَعَلَهَا كَلِمَةَۢ بَاقِيَةٗ فِي عَقِبِهِۦ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (28)

قوله تعالى : { وجعلها } يعني هذه الكلمة . { كلمةً باقيةً في عقبه } قال مجاهد وقتادة : يعني كلمة التوحيد ، وهي لا إله إلا الله كلمة باقية في عقبه أي في ذريته . قال قتادة : لا يزال في ذريته من يعبد الله ويوحده . وقال القرظي : يعني : جعل وصية إبراهيم التي أوصى بها بنيه باقية في نسله وذريته ، وهو قوله عز وجل :{ ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب } ( البقرة-143 ) . وقال ابن زيد : يعني قوله :{ أسلمت لرب العالمين }( البقرة-131 ) ، وقرأ :{ هو سماكم المسلمين } ( الحج-78 ) . { لعلهم يرجعون } لعل أهل مكة يتبعون هذا الدين ويرجعون عما هم عليه إلى دين إبراهيم . وقال السدي : لعلهم يتوبون ويرجعون إلى طاعة الله عز وجل .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَجَعَلَهَا كَلِمَةَۢ بَاقِيَةٗ فِي عَقِبِهِۦ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (28)

{ وَجَعَلَهَا } أي : هذه الخصلة الحميدة ، التي هي أم الخصال وأساسها ، وهي إخلاص العبادة للّه وحده ، والتبرِّي من عبادة ما سواه .

{ كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ } أي : ذريته { لَعَلَّهُمْ } إليها { يَرْجِعُونَ } لشهرتها عنه ، وتوصيته لذريته ، وتوصية بعض بنيه -كإسحاق ويعقوب- لبعض ، كما قال تعالى : { وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ } إلى آخر الآيات .

فلم تزل هذه الكلمة موجودة في ذريته عليه السلام حتى دخلهم الترف والطغيان .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَجَعَلَهَا كَلِمَةَۢ بَاقِيَةٗ فِي عَقِبِهِۦ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (28)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وجعلها كلمة باقية} لا تزال ببقاء التوحيد.

{في عقبه} ذريته، يعني ذرية إبراهيم.

{لعلهم}، يعني لكي {يرجعون} من الكفر إلى الإيمان...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ" يقول تعالى ذكره: وجعل قوله: "إنّنِي بَراءٌ مِمّا تَعْبُدُونَ إلاّ الّذِي فَطَرَنِي "وهو قول: لا إله إلا الله، كلمة باقية في عقبه، وهم ذرّيته، فلم يزل في ذرّيته من يقول ذلك من بعده. واختلف أهل التأويل في معنى الكلمة التي جعلها خليل الرحمن باقية في عقبه، فقال بعضهم: بنحو الذي قلنا في ذلك... وقال آخرون: الكلمة التي جعلها الله في عقبه اسم الإسلام...

قوله: "فِي عَقِبِهِ" قال: ولده... قال ابن زيد "فِي عَقِبِهِ" قال: عقبه: ذرّيته...

وقوله: "لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ" يقول: ليرجعوا إلى طاعة ربهم، ويثوبوا إلى عبادته، ويتوبوا من كفرهم وذنوبهم.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{وجعلنا كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون} هذا يحتمل وجهين:

أحدهما: الكلمة الباقية هي كلمة الهداية والتوحيد، فإنه سأل أن يجعل ما وجد منه من التبرّي من غير الله تعالى وتحقيق عبادة الله تعالى بقوله: {إنني برآءٌ مما تعبدون} {إلا الذي فطرني فإنه سيهدينِ} كلمة باقية.

والثاني: الكلمة الباقية هي كلمة الدعوة إلى الهدى والتوحيد، وهي عبارة عن إبقاء النبوّة والخلافة في ذرّيته إلى يوم القيامة، وهي ما {قال إني جاعلُك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين} [البقرة: 124]. أخبر أن الظالم من ذريته لا ينال عهده. فأما من لم يكن ظالما فإنه ينال عهده، وقد استجاب الله دعاءه، فلم تزل الدعوة في ذريته والذرية في خُلفائهم إلى يوم القيامة.

معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي 516 هـ :

{لعلهم يرجعون} لعل أهل مكة يتبعون هذا الدين ويرجعون عما هم عليه إلى دين إبراهيم...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

لعل من أشرك منهم يرجع بدعاء من وحد منهم...

زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي 597 هـ :

{لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} إلى التوحيد كلهم إذا سمعوا أن أباهم تبرأ من الأصنام ووحّد الله عز وجل...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{لعلهم يرجعون} أي ليكون حالهم حال من ينظر إليهم إن حصل منهم مخالفة واعوجاج حال من يرجى رجوعه، فإنهم إذا ذكروا أن أباهم الأعظم الذي بنى لهم البيت وأورثهم الفخر قال ذلك تابعوه، ويجوز أن يتعلق بما يتعلق به "إذ "أي اذكر لهم قول أبيهم ليكون حالهم عند من يجهل العواقب حال من يرجى رجوعه عن تقليد الجهلة من الآباء إلى اتباع هذا الأب الذي اتباعه لا يعد تقليداً لما على قوله من الأدلة التي تفوت الحصر، فتضمن لمتبعها حتماً تمام النصر، وفي سوقه سوق المترجي إشارة إلى أنهم يكونون صنفين: صنفاً يرجع وآخر لا يرجع.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

لقد كان لإبراهيم -عليه السلام- أكبر قسط في إقرار هذه الكلمة في الأرض، وإبلاغها إلى الأجيال من بعده، عن طريق ذريته وعقبه. ولقد قام بها من بنيه رسل كان منهم ثلاثة من أولي العزم: موسى وعيسى ومحمد خاتم الرسل -عليهم صلوات الله وسلامه- واليوم بعد عشرات القرون يقوم في الأرض أكثر من ألف مليون، من أتباع الديانات الكبرى يدينون بكلمة التوحيد لأبيهم إبراهيم، الذي جعل هذه الكلمة باقية في عقبه، يضل منهم عنها من يضل، ولكنها هي باقية لا تضيع، ثابتة لا تتزعزع، واضحة لا يتلبس بها الباطل.

(لعلهم يرجعون).. يرجعون إلى الذي فطرهم فيعرفوه ويعبدوه. ويرجعون إلى الحق الواحد فيدركوه ويلزموه...

ولقد عرفت البشرية كلمة التوحيد قبل إبراهيم. ولكن هذه الكلمة لم تستقر في الأرض إلا من بعد إبراهيم...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

فالمعنى: جعَل إبراهيم قوله: {إنني براءٌ مما تعبدون إلا الذي فطرني} [الزخرف: 26، 27] شعاراً لعقبه، أي جعلها هي وما يرادفها قولاً باقياً في عقبه على مرّ الزمان فلا يخلو عقب إبراهيم من موحدين لله نابذين للأصنام. وأشعر حرف الظرفية بأن هاته الكلمة لم تنقطع بين عقب إبراهيم دون أن تعمّ العقب، فإن أريد بالعقب مجموعُ أعقابه فإن كلمة التوحيد لم تنقطع من اليهود وانقطعت من العرب بعد أن تقلدوا عبادة الأصنام إلاّ من تَهوّد منهم أو تنصَّر، وإن أريد مِن كُل عقب فإن العرب لم يخلو من قائم بكلمة التوحيد مثل المتنَصِّرين منهم كالقبائل المتنصرة وورقة بن نوفل، ومثل المتحنفين كزيد بن عَمرو بن نُفيل، وأُمية بن أبي الصلت...

والعقب: الذرية الذين لا ينفصلون من أصلهم بأنثى، أي جعل إبراهيم كلمة التوحيد باقية في عقبه بالوصاية عليها راجياً أنهم يرجعون، أي يتذكرون بها التوحيد إذا رانَ رَيْن على قلوبهم، أو استحسنوا عبادةَ الأصنام...