تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَجَعَلَهَا كَلِمَةَۢ بَاقِيَةٗ فِي عَقِبِهِۦ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (28)

الآية 28 وقوله تعالى : { وجعلنا كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون } هذا يحتمل وجهين :

أحدهما : الكلمة الباقية هي كلمة الهداية والتوحيد ، فإنه سأل أن يجعل ما وجد منه من التبرّي من غير الله تعالى وتحقيق عبادة الله تعالى بقوله : { إنني برآءٌ{[18918]} مما تعبدون } { إلا الذي فطرني فإنه سيهدينِ } كلمة باقية ، والله أعلم ، كلمة التوحيد . فإن قوله : { لا إله } نفي غير الله ، وقوله : { إلا الله } إثبات الألوهية لله تعالى . وذلك معنى قوله : { إنني برآءٌ مما تعبدون } { لا الذي فطرني } وهو كقوله تعالى : { تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم } الآية [ آل عمران : 64 ] .

وأجاب الله تعالى سؤاله في دعائه ، فلم يزل في ذرّية إبراهيم وعقِبِه من يقولها . وذلك قوله تعالى : { ووصّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بنيّ إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون } [ البقرة : 132 ] .

والثاني : الكلمة الباقية هي كلمة الدعوة إلى الهدى والتوحيد ، وهي عبارة عن إبقاء النبوّة والخلافة في ذرّيته إلى يوم القيامة ، وهي{[18919]} ما { قال إني جاعلُك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين } [ البقرة : 124 ] .

أخبر أن الظالم من ذريته لا ينال عهده . فأما من لم يكن ظالما فإنه ينال عهده ، وقد استجاب الله دعاءه ، فلم تزل الدعوة في ذريته والذرية في خُلفائهم إلى يوم القيامة . قال الله تعالى : { ولكل قوم هاد } [ الرعد : 7 ] والله أعلم .


[18918]:في الأصل وم: بريء، وهي قراءة، انظر معجم القراءات ح/6/108.
[18919]:في الأصل وم: وهو.