معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَنَادَوۡاْ يَٰمَٰلِكُ لِيَقۡضِ عَلَيۡنَا رَبُّكَۖ قَالَ إِنَّكُم مَّـٰكِثُونَ} (77)

قوله تعالى : { ونادوا يا مالك } يدعون خازن النار ، { ليقض علينا ربك } ليمتنا ربك فنستريح فيجيبهم مالك بعد ألف سنة ، { قال إنكم ماكثون } مقيمون في العذاب .

أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أنبأنا محمد بن يعقوب الكسائي ، أنبأنا عبد الله بن محمود ، أنبأنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة يذكره عن أبي أيوب ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : إن أهل النار يدعون مالكاً فلا يجيبهم أربعين عاماً ، ثم يرد عليهم إنكم ماكثون ، قال : " هانت -والله- دعوتهم على مالك وعلى رب مالك ، ثم يدعون ربهم فيقولون : ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوماً ضالين ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون ، قال : فيسكت عنهم قدر الدنيا مرتين ، ثم يرد عليهم : اخسؤوا فيها ولا تكلمون ، قال : فوالله ما نبس القوم بعدها بكلمة ، وما هو إلا الزفير والشهيق في نار جهنم ، تشبه أصواتهم بأصوات الحمير ، أولها زفير وآخرها شهيق " .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَنَادَوۡاْ يَٰمَٰلِكُ لِيَقۡضِ عَلَيۡنَا رَبُّكَۖ قَالَ إِنَّكُم مَّـٰكِثُونَ} (77)

{ وَنَادَوْا } وهم في النار ، لعلهم يحصل لهم استراحة ، { يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ } أي : ليمتنا فنستريح ، فإننا في غم شديد ، وعذاب غليظ ، لا صبر لنا عليه ولا جلد . ف { قَالَ } لهم مالك خازن النار -حين طلبوا منه أن يدعو اللّه لهم أن يقضي عليهم- : { إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ } أي : مقيمون فيها ، لا تخرجون عنها أبدا ، فلم يحصل لهم ما قصدوه ، بل أجابهم بنقيض قصدهم ، وزادهم غما إلى غمهم .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَنَادَوۡاْ يَٰمَٰلِكُ لِيَقۡضِ عَلَيۡنَا رَبُّكَۖ قَالَ إِنَّكُم مَّـٰكِثُونَ} (77)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: ونادى هؤلاء المجرمون بعد ما أدخلهم الله جهنم، فنالهم فيها من البلاء ما نالهم، مالكا خازن جهنم "يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبّكَ "قال: ليمتنا ربك، فيفرغ من إماتتنا... فيقول لهم: "إنّكُمْ ماكِثُونَ"...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

يفزعون أولا إلى المؤمنين، وهو قولهم {أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرّمهما على الكافرين} [الأعراف: 50]، فلما أيِسوا من ذلك يفزعون إلى الله تعالى، يسألون الرجوع إلى المحنة ليعملوا غير الذي عملوا بقولهم {ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل} [فاطر: 37] فلما أيسوا من ذلك يفزعون إلى مالك ليسأل ربه ليقضي عليهم بالموت، فقال: {إنكم ماكثون} وهو ما قال عز وجل: {لا يُقضى عليهم فيموتوا ولا يُخفّف عنهم من عذابها} الآية [فاطر: 36].

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ} أي لابثون في عذابها أحياء.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان من مفهوم الإبلاس السكوت، أعلم بأن سكوتهم ليس دائماً لأن الإنسان إذا وطن نفسه على حالة واحدة ربما خف عنه بعد الألم، فقال مبيناً أنهم من البعد بمحل كبير لا يطمعون معه في خطاب الملك، وأنهم مع علمهم باليأس يعلقون آمالهم بالخلاص كما يقع للمتمنين للمحالات في الدنيا ليكون ذلك زيادة في المهم:

{ونادوا} ثم بين أن المنادي خازن النار فقال مؤكداً لبيان البعد بأداته: {يا مالك}...

{ليقض علينا} أي سله سؤالاً حتماً أن يقضي القضاء الذي لا قضاء مثله، وهو الموت على كل واحد منا، وجروا على عادتهم في الغباوة والجلافة فقالوا: {ربك} أي المحسن إليك فلم يروا لله عليهم إحساناً وهم في تلك الحالة، فلا شك أن إحسانه ما انقطع عن موجود أصلاً، وأقل ذلك أنه لا يعذب أحداً منهم فوق استحقاقه، ولذلك جعل النار دركات كما كانت الجنة درجات، ويجوز أن تكون عبارتهم بذلك تغييظاً له بما رأوا من ملابسة النار من تأثير فيه، ونداؤهم لا ينافي إبلاسهم لأنه السكوت عن يأس، وذلك لازم لهم لأنهم كلما سكتوا كان سكوتهم عن يأس، فسكوتهم المقيد باليأس دائم، فلذلك سألوا الموت، والحاصل أنهم لا يتكلمون بما يدل على رجاء الفرج بل هم ساكتون أبداً عن ذلك اليأس لا على رجاء الفرج باللحاق برتبة المتقين. ولما ذكر نداءهم، استأنف ذكر جوابهم بقوله: {قال} أي مالك عليه الصلاة والسلام مؤكداً لأطماعهم؛ لأن كلامهم هذا بحيث يفهم الرجاء ويفهم بأن رحمة الله تعالى التي هي موضع الرجاء خاصة بغيرهم {إنكم ماكثون}.

تيسير التفسير لاطفيش 1332 هـ :

{إنَّكم ماكثونَ}... والعبارة بالمكث تهكم بهم، لأنه لفظ يفهم الانقطاع وعلموا أنه تهكم بهم، وأنهم خالدون دائما، ولأنه يشعر بالاختيار ولا اختيار لهم في المقام، بل هم مضطرون، يعبر به بدل انكم محبوسون...

محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :

تمنوا تعطل الحواس وعدم الإحساس، لشدّة التألم بالعذاب الجسمانيّ.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ثم تتناوح في الجو صيحة من بعيد. صيحة تحمل كل معاني اليأس والكرب والضيق (ونادوا: يا مالك. ليقض علينا ربك).. إنها صيحة متناوحة من بعد سحيق. من هناك من وراء الأبواب الموصدة في الجحيم. إنها صيحة أولئك المجرمين الظالمين. إنهم لا يصيحون في طلب النجاة ولا في طلب الغوث. فهم مبلسون يائسون. إنما يصيحون في طلب الهلاك. الهلاك السريع الذي يريح، وحسب المنايا أن يكنّ أمانيا! وإن هذا النداء ليلقي ظلاً كثيفاً للكرب والضيق. وإننا لنكاد نرى من وراء صرخة الاستغاثة نفوساً أطار صوابها العذاب، وأجساماً تجاوز الألم بها حد الطاقة فانبعثت منها تلك الصيحة المريرة: (يا مالك. ليقض علينا ربك)! ولكن الجواب يجيء في تيئيس وتخذيل، وبلا رعاية ولا اهتمام: (قال: إنكم ماكثون)! فلا خلاص ولا رجاء ولا موت ولا قضاء.. إنكم ما كثون!...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

سألوا الله أن يزيل عنهم الحياة ليستريحوا من إحساس العذاب. وهم إنما سألوا الله أن يميتهم فأجيبوا بأنهم ماكثون جواباً جامعاً لنفي الإماتة ونفي الخروج فهو جواب قاطع لما قد يسألونه من بعدُ...