معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ أَءِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُۖ قَالَ أَنَا۠ يُوسُفُ وَهَٰذَآ أَخِيۖ قَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡنَآۖ إِنَّهُۥ مَن يَتَّقِ وَيَصۡبِرۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (90)

قوله تعالى : { قالوا أإنك لأنت يوسف } ، قرأ ابن كثير وأبو جعفر : { إنك } على الخبر ، وقرأ الآخرون على الاستفهام . قال ابن إسحاق : كان يوسف يتكلم من وراء ستر فلما قال يوسف : هل علمتم ما فعلتم ؟ كشف عنهم الغطاء ورفع الحجاب ، فعرفوه . وقال الضحاك عن ابن عباس : لما قال هذا القول تبسم يوسف فرأوا ثناياه كاللؤلؤ المنظوم فشبهوه بيوسف ، فقالوا استفهاما أئنك لأنت يوسف ؟ وقال عطاء عن ابن عباس : إن إخوة يوسف لم يعرفوه حتى وضع التاج عن رأسه ، وكان له في قرنه علامة وكان ليعقوب مثلها ولإسحاق مثلها ولسارة مثلها شبه الشامة ، فعرفوه فقالوا : أئنك لأنت يوسف ؟ وقيل : قالوه على التوهم حتى { قال أنا يوسف وهذا أخي } ، بنيامين ، { قد من الله علينا } ، أنعم علينا بأن جمع بيننا { إنه من يتق } ، بأداء الفرائض واجتناب المعاصي ، { ويصبر } ، عما حرم الله عز وجل عليه . قال ابن عباس : يتقي الزنا ويصبر عن العزوبة . وقال مجاهد : يتقي المعصية ويصبر على السجن ، { فإن الله لا يضيع أجر المحسنين } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ أَءِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُۖ قَالَ أَنَا۠ يُوسُفُ وَهَٰذَآ أَخِيۖ قَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡنَآۖ إِنَّهُۥ مَن يَتَّقِ وَيَصۡبِرۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (90)

فعرفوا أن الذي خاطبهم هو يوسف ، فقالوا : { أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا } بالإيمان والتقوى والتمكين في الدنيا ، وذلك بسبب الصبر والتقوى ، { إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ } أي : يتقي فعل ما حرم الله ، ويصبر على الآلام والمصائب ، وعلى الأوامر بامتثالها { فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } فإن هذا من الإحسان ، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ أَءِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُۖ قَالَ أَنَا۠ يُوسُفُ وَهَٰذَآ أَخِيۖ قَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡنَآۖ إِنَّهُۥ مَن يَتَّقِ وَيَصۡبِرۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (90)

ورن في آذانهم صوت لعلهم يذكرون شيئا من نبراته . ولاحت لهم ملامح وجه لعلهم لم يلتفتوا إليها وهم يرونه في سمت عزيز مصر وأبهته وشياته . والتمتع في نفوسهم خاطر من بعيد :

( قالوا : أئنك لأنت يوسف ؟ ) . .

أئنك لأنت ؟ ! فالآن تدرك قلوبهم وجوارحهم وآذانهم ظلال يوسف الصغير في ذلك الرجل الكبير

( قال : أنا يوسف . وهذا أخي . قد من الله علينا . إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ) . .

مفاجأة ! مفاجأة عجيبة . يعلنها لهم يوسف ويذكرهم في إجمال بما فعلوه بيوسف وأخيه في دفعة الجهالة . . ولا يزيد . . سوى أن يذكر منة الله عليه وعلى أخيه ، معللا هذه المنة بالتقوى والصبر وعدل الله في الجزاء .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ أَءِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُۖ قَالَ أَنَا۠ يُوسُفُ وَهَٰذَآ أَخِيۖ قَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡنَآۖ إِنَّهُۥ مَن يَتَّقِ وَيَصۡبِرۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (90)

قولهم : { أإنك لأنت يوسف } يدل على أنهم استشعروا من كلامه ثم من ملامحه ثم من تفهم قَول أبيهم لهم : { وأعلم من الله ما لا تعلمون } إذ قد اتضح لهم المعنى التعريضي من كلامه فعرفوا أنه يتكلم مريداً نفسه .

وتأكيد الجملة ب { إنّ } ولام الابتداء وضمير الفصل لشدة تحققهم أنه يوسف عليه السلام .

وأدخل الاستفهام التقريري على الجملة المؤكّدة لأنهم تطلبوا تأييده لعلِمهم به .

وقرأ ابن كثير { إنك } بغير استفهام على الخبرية ، والمراد لازم فائدة الخبر ، أي عرفناك ، ألا ترى أن جوابه ب { أنَا يوسف } مجرد عن التأكيد لأنهم كانوا متحققين ذلك فلم يبق إلا تأييده لذلك .

وقوله : { وهذا أخي } خبر مستعمل في التعجيب من جمع الله بينهما بعد طول الفرقة ، فجملة { قد من الله علينا } بيان للمقصود من جملة { وهذا أخي } .

وجملة { إنه من يتق ويصبر } تعليل لجملة { منَّ الله علينا } . فيوسف عليه السلام اتّقى الله وصبر وبنيامين صَبر ولم يعْص الله فكان تقياً . أراد يوسف عليه السلام تعليمهم وسائل التعرض إلى نعم الله تعالى ، وحثهم على التقوى والتخلق بالصبر تعريضاً بأنهم لم يتقوا الله فيه وفي أخيه ولم يصبروا على إيثار أبيهم إياهما عليهم .

وهذا من أفانين الخطابة أن يغتنم الواعظ الفرصة لإلقاء الموعظة ، وهي فرصة تأثر السامع وانفعاله وظهور شواهد صدق الواعظ في موعظته .

وذكر المحسنين وضعٌ للظاهر موضع المضمر إذ مقتضى الظاهر أن يقال : فإن الله لا يضيع أجرهُم . فعدل عنه إلى المحسنين للدلالة على أن ذلك من الإحسان ، وللتعميم في الحكم ليكون كالتذييل ، ويدخل في عمومه هو وأخوه .

ثم إن هذا في مقام التحدث بالنعمة وإظهار الموعظة سائغ للأنبياء لأنه من التبليغ كقول النبي صلى الله عليه وسلم « إنّي لأتقاكم لله وأعلمكم به » .