معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{كُلُواْ وَٱرۡعَوۡاْ أَنۡعَٰمَكُمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ} (54)

قوله تعالى : { كلوا وارعوا } أي : وارتعوا { أنعامكم } تقول العرب : رعيت الغنم فرعت . أي : أسيموا أنعامكم ترعى { إن في ذلك } الذي ذكرت { لآيات لأولي النهى } لذوي العقول واحدها : نهية . سميت نهية لأنها تنهى صاحبها عن القبائح والمعاصي . قال الضحاك : ( لأولي النهى ) الذين ينتهون عما حرم عليهم . قال قتادة : لذوي الورع .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{كُلُواْ وَٱرۡعَوۡاْ أَنۡعَٰمَكُمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ} (54)

ولهذا قال : { كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ } وسياقها على وجه الامتنان ، ليدل ذلك على أن الأصل في جميع النوابت الإباحة ، فلا يحرم منهم إلا ما كان مضرا ، كالسموم ونحوه .

{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى } أي : لذوي العقول الرزينة ، والأفكار المستقيمة على فضل الله وإحسانه ، ورحمته ، وسعة جوده ، وتمام عنايته ، وعلى أنه الرب المعبود ، المالك المحمود ، الذي لا يستحق العبادة سواه ، ولا الحمد والمدح والثناء ، إلا من امتن بهذه النعم ، وعلى أنه على كل شيء قدير ، فكما أحيا الأرض بعد موتها ، إن ذلك لمحيي الموتى .

وخص الله أولي النهى بذلك ، لأنهم المنتفعون بها ، الناظرون إليها نظر اعتبار ، وأما من عداهم ، فإنهم بمنزلة البهائم السارحة ، والأنعام السائمة ، لا ينظرون إليها نظر اعتبار ، ولا تنفذ بصائرهم إلى المقصود منها ، بل حظهم ، حظ البهائم ، يأكلون ويشربون ، وقلوبهم لاهية ، وأجسامهم معرضة . { وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{كُلُواْ وَٱرۡعَوۡاْ أَنۡعَٰمَكُمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ} (54)

( إن في ذلك لآيات لأولي النهى ) . . وما من عقل مستقيم يتأمل هذا النظام العجيب ثم لا يطلع فيه على آيات تدل على الخالق المدبر الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى . .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{كُلُواْ وَٱرۡعَوۡاْ أَنۡعَٰمَكُمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ} (54)

الجملة الثانية { كُلُوا وارْعوا أنعامكُم } مقول قول محذوف هو حال من ضمير { فأخرجنا } .

والتقدير : قائلين : كُلوا وارعوا أنعامكم . والأمر للإباحة مراد به المنّة . والتقدير : كلوا منها وارعوا أنعامكم منها . وهذا من مقابلة الجمع بالجمع لقصد التوزيع .

وفعل ( رعى ) يستعمل قاصراً ومتعدياً . يقال : رعت الدابةُ ورعاها صاحبها . وفرق بينهما في المصدر فمصدر القاصر : الرّعي ، ومصدر المتعدي : الرعاية . ومنه قول النّابغة :

رأيتكَ ترعاني بعين بصيرة

والجملة الثالثة إنَّ في ذلك لآياتٍ لأُوْلِى النهى } معترضة مؤكدة للاستدلال ؛ فبعد أن أُشير إلى ما في المخلوقات المذكورة آنفاً من الدلالة على وجود الصانع ووحدانيته ، والمنّة بها على الإنسان لمن تأمل ، جُمعت في هذه الجملة وصرح بما في جميعها من الآيات الكثيرة . وكلّ من الاعتراض والتوكيد مقتض لفصل الجملة .

وتأكيد الخبر بحرف ( إنّ ) لتنزيل المخاطبين منزلة المنكرين ، لأنّهم لم ينظروا في دلالة تلك المخلوقات على وحدانية الله ، وهم يحسبون أنفسهم من أولي النّهى ، فما كان عدم اهتدائهم بتلك الآيات إلاّ لأنهم لم يَعُدوها آيات . لا جرم أنّ ذلك المذكور مشتمل على آيات جمّة يتفطن لها ذوو العقول بالتأمّل والتفكّر ، وينتبهون لها بالتذكير .

والنُهى : اسم جمع نُهْية بضم النون وسكون الهاء ، أي العقل ، سمي نُهية لأنّه سبب انتهاء المتحلي به عن كثير من الأعمال المفسدة والمهلكة ، ولذلك أيضاً سمّي بالعقل وسمي بالحِجْر .