نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{كُلُواْ وَٱرۡعَوۡاْ أَنۡعَٰمَكُمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ} (54)

ثم أشار إلى تفصيل ما فيها من الحكمة بقوله {[49326]}حالاً من فاعل { أخرجنا }{[49327]} : { كلوا } أي ما دبره لكم بحكمته منها { وارعوا } {[49328]}أي سرحوا في المراعي{[49329]} { أنعامكم } ما أحكمه لها ولا يصلح لكم ، {[49330]}فكان من متقن تدبيره أن جعل أرزاق العباد بعملها تنعيماً لهم ، وجعل علفها مما يفضل عن حاجتهم ، ولا يقدرون على أكله{[49331]} ، وقد دلت هذه الأوصاف على تحققه سبحانه قطعاً بأنه لا يضل ولا ينسى من حيث إنه تعالى أبدع هذا العالم شاملاً لكل ما يحتاجه من فيه {[49332]}لما خلقهم له{[49333]} من السفر إليه والعرض عليه في جميع تقلباتهم على اختلافها ، وتباين أصنافها ، وتباعد أوصافها ، وعلى كثرتهم ، وتنائي أمزجتهم ، ولم يدعه ناقصاً من شيء من ذلك بخلاف غيره ، فإنه لو عمل شيئاً واجتهد كل الاجتهاد في تكميله فلا بد أن يظهر له فيه نقص ويصير يسعى في إزالته وقتاً بعد وقت .

ولما كمل هذا البرهان القويم ، دالاً على العليم الحكيم ، قال منبهاً على انتشار أنواره ، وجلالة مقداره ، {[49334]}مؤكداً لأجل إنكار المنكرين{[49335]} : { إن في ذلك } أي الإنشاء على هذه الوجوه المختلفة { لآيات } على منشئه { لأولي النهى * } العقول التي من شأنها أن تنهى صاحبها عن الغيّ ، ومن عمي عن ذلك فلا عقل له أصلاً لأن عقله لم ينفعه ، وما لا ينفع في حكم العدم ، وذكر ابن كثير هنا ما عزاه ابن إسحاق في السيرة{[49336]} لزيد بن عمرو بن نفيل ، وابن هشام لأمية بن أبي الصلت{[49337]} :

وأنت الذي من فضل منّ ورحمة *** بعثت إلى موسى رسولاً منادياً

فقلت {[49338]}ألا يا{[49339]} اذهب وهارون فادعوا *** إلى الله فرعون الذي كان باغيا{[49340]}

فقولا له آأنت سويت هذه *** بلا وتد حتى استقلت{[49341]} كما هيا

وقولا له آأنت رفعت هذه *** بلا عمد أرفق إذن بك بانيا

وقولا له آأنت سويت وسطها *** منيراً إذا ما جنه الليل هاديا

وقولا له من {[49342]}يخرج الشمس بكرة{[49343]} *** فيصبح ما مست من الزرع ضاحيا

وقولا له من ينبت الحب في الثرى *** فيخرج{[49344]} منه البقل يهتز رابيا

ويخرج منه حبه في رؤوسه *** وفي ذاك آيات لمن كان واعيا


[49326]:بياض في الأصل ملأناه من مد.
[49327]:بياض في الأصل ملأناه من مد.
[49328]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[49329]:سقط ما بين الرقمين في ظ.
[49330]:سقط ما بين الرقمين في ظ.
[49331]:سقط ما بين الرقمين في ظ.
[49332]:من ظ ومد، وفي الأصل: لكل ما خلقه لهم وخلقه له.
[49333]:من ظ ومد، وفي الأصل: لكل ما خلقه لهم وخلقه له.
[49334]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[49335]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[49336]:1 / 77 و 78.
[49337]:زيد في الأصل: فقال هذه الأبيات ولم تكن الزيادة في ظ ومد فحذفناها.
[49338]:في ظ: له يا، وفي السيرة : له – كذا.
[49339]:في ظ: له يا، وفي السيرة: له – كذا.
[49340]:في السيرة طاغيا.
[49341]:في السيرة: اطمأنت .
[49342]:في السيرة/ يرسل الشمس غدوة.
[49343]:في السيرة: يرسل الشمس غدوة.
[49344]:في السيرة: فيصبح.