إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{كُلُواْ وَٱرۡعَوۡاْ أَنۡعَٰمَكُمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ} (54)

وقوله تعالى : { كُلُواْ وارعوا أنعامكم } حال من ضمير فأخرجنا على إرادة القول أي أخرجنا منها أصنافَ النباتِ قائلين : كلوا وارعَوا أنعامَكم أي معدّيها لانتفاعكم بالذات وبالواسطة آذنين في ذلك { إِنَّ في ذَلِكَ } إشارةٌ إلى ما ذكر من شؤونه تعالى وأفعاله ، وما فيه من معنى البُعد للإيذان بعلو رتبتِه وبُعْدِ منزلته في الكمال ، والتنكيرُ في قوله تعالى : { لآيات } للتفخيم كماً وكيفاً أي لآياتٍ كثيرةً جليلةً واضحةَ الدِلالة على شؤون الله تعالى في ذاته وصفاتِه وأفعاله ، وعلى صحة نبوةِ موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام { لأُوْلِي النهى } جمع نُهْية سمّي بها العقلُ لنهيه عن اتباع الباطلِ وارتكاب القبائح كما سمّي بالعقل والحِجْر لعقله وحَجْره عن ذلك ، أي لذوي العقولِ الناهية عن الأباطيل التي من جملتها ما يدّعيه الطاغية ويقبله منه فئتُه الباغية ، وتخصيصُ كونها آياتٍ بهم مع أنها آياتٌ للعالمين باعتبار أنهم المنتفعون بها .