{ يومئذ تحدث أخبارها } فيقول الإنسان : ما لها ، أي تخبر الأرض بما عمل عليها .
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أنبأنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث ، أنبأنا محمد بن يعقوب الكسائي ، أنبأنا عبد الله بن محمود ، أنبأنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن سعيد بن أبي أيوب ، حدثنا يحيى بن سليمان ، عن سعيد بن المقبري ، عن أبي هريرة قال : " قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : { يومئذ تحدث أخبارها } قال : أتدرون ما أخبارها ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها ، تقول : عمل يوم كذا كذا وكذا ، قال : فهذه أخبارها " .
وقوله : { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } أي : تحدث بما عمل العاملون على ظهرها .
قال الإمام أحمد : حدثنا إبراهيم ، حدثنا ابن المبارك - وقال الترمذي وأبو عبد الرحمن النسائي ، واللفظ له : حدثنا سُوَيد بن نصر ، أخبرنا عبد الله - هو ابن المبارك - عن سعيد بن أبي أيوب ، عن يحيى بن أبي سليمان ، عن سعيد المقْبُرِي ، عن أبي هريرة قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } قال : " أتدرون ما أخبارها ؟ " . قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عَمِل على ظهرها ، أن تقول : عمل كذا وكذا ، يوم كذا وكذا ، فهذه أخبارها " {[30386]} .
ثم قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح غريب .
وفي معجم الطبراني من حديث ابن لَهِيعة : حدثني الحارث بن يزيد - سمع ربيعة الجُرَشي - : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تحفظوا من الأرض ، فإنها أمكم ، وإنه ليس من أحد عامل عليها خيرًا أو شرًّا ، إلا وهي مُخبرة " {[30387]} .
وقد قال صلى الله عليه وسلم : «ليس الخبر كالمعاينة{[11935]} » و «أخبار الأرض » قال ابن مسعود والثوري والثوري وغيره : هو شهادتهما بما عمل عليها من عمل صالح أو فاسد ، فالحديث على هذا حقيقة ، والكلام بإدراك وحياة يخلقها الله تعالى ، وأضاف الأخبار إليها من حيث وعتها وحصلتها ، وانتزع بعض العلماء من قوله تعالى : { تحدث أخبارها } أن قول المحدث : حدثنا وأخبرنا سواء ، وقال الطبري وقوم : التحديث في الآية مجاز ، والمعنى أن تفعله بأمر الله من إخراج أثقالها وتفتت أجزائها وسائر أحوالها هو بمنزلة التحديث بأنبائها وأخبارها ، ويؤيد القول الأول قول النبي صلى الله عليه وسلم : «فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء ، إلا شهد له يوم القيامة{[11936]} » ، وقرأ عبد الله بن مسعود : «تنبىء أخبارها » ، وقرأ سعيد بن جبير : «تبين » .
وجملة : { يومئذ تحدث أخبارها } الخ جواب { إذا } باعتبار ما أبدل منها من قوله : { يومئذ يصدر الناس } فيومئذ بدل من { يومئذ تحدث أخبارها } .
واليوم يطلق على النهار مع ليلهِ فيكون الزلزال نهاراً وتتبَعه حوادث في الليل مع انكدار النجوم وانتثارها وقد يراد باليوم مطلق الزمان .
و{ تحدث أخبارها } هو العامل في { يومئذ } وفي البدل ، والتقدير يوم إذْ تزلْزلُ الأرض وتُخرج أثقالها ويقول الناس : ما لَهَا تحدّث أخبارها الخ .
و{ أخبارها } مفعول ثاننٍ لفعل { تحدث } لأنه مما ألحق بظن لإِفادة الخَبَر عِلماً ، وحذف مفعوله الأول لظهوره ، أي تحدث الإِنسان لأن الغرض من الكلام هو إخبارها لما فيه من التهويل .
وضمير { تحدث } عائد إلى { الأرض } .
والتحديث حقيقته : أن يصدر كلام بخبر عن حَدث . وورد في حديث الترمذي عن أبي هريرة قال : « قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { يومئذ تحدث أخبارها } قال : أتدرون ما أخبارها ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم قال : فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها تقول : عَمل كذا وكذا فهذه أخبارها » اه .
وجُمع { أخبارها } باعتبار تعدد دلالتها على عدد القائلين { ما لها } وإنما هو خبر واحد وهو المبيَّن بقوله : { بأن ربك أوحى لها } .
وانتصب { أخبارها } على نزع الخافض وهو باء تعدية فعل { تحدث } .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
تخبِر الأرض بما عمل عليها من خير أو شر.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
{ يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أخْبارَها } يقول : يومئذٍ تحدّث الأرض أخبارها . وتحديثها أخبارها ، على القول الذي ذكرناه عن عبد الله بن مسعود ، أن تتكلم فتقول : إن الله أمرني بهذا ، وأوحى إليّ به ، وأذِن لي فيه ...
عن إسماعيل بن عبد الملك ، قال : سمعت سعيد بن جُبير يقرأ في المغرب مرّة : «يَوْمَئِذٍ تُنَبّئ أخْبارَها » ومرة : "تُحَدّثُ أخْبارَها" ، فكأنّ معنى تحدّث كان عند سعيد : تُنَبئ ، وتنبيئها أخبارَها : إخراجها أثقالها من بطنها إلى ظهرها . وهذا القول قول عندي صحيح المعنى ، وتأويل الكلام على هذا المعنى : يومئذٍ تبّين الأرض أخبارها بالزلزلة والرّجّة ، وإخراج الموتى من بطونها إلى ظهورها ، بوحي الله إليها ، وإذنه لها بذلك ، وذلك معنى قوله : { بأنّ رَبّكَ أوْحَى لَهَا } ...
وقد ذُكر عن عبد الله أنه كان يقرأ ذلك : «يَوْمَئِذٍ تُنْبّئ أخْبارَها » وقيل : معنى ذلك أن الأرض تحدّث أخبارها مَنْ كان على ظهرها من أهل الطاعة والمعاصي ، وما عملوا عليها من خير أو شرّ ...
وقيل : عُنِي بقوله : { أوْحَى لَهَا } : أوحى إليها .
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
قيل : معناه يظهر بالدليل الذي يجعله الله فيها ما يقوم مقام إخبارها بأن أمر الدنيا قد انقضى ، وأمر الآخرة قد أتى ، وأنه لابد من الجزاء ، وأن الفوز لمن اتقى ، وأن النار لمن عصى ...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
فإن قلت : ما معنى تحديث الأرض والإيحاء لها ؟ قلت : هو مجاز عن إحداث الله تعالى فيها من الأحوال ما يقوم مقام التحديث باللسان ، حتى ينظر من يقول { ما لها } إلى تلك الأحوال ، فيعلم لم زلزلت ، ولم لفظت الأموات ؟ وأنّ هذا ما كانت الأنبياء ينذرونه ويحذرون منه . وقيل : ينطقها الله على الحقيقة . وتخبر بما عمل عليها من خير وشرّ . وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تشهد على كل أحد بما عمل على ظهرها " ....
أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن للشنقيطي 1393 هـ :
وقوله : { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا 4 } ، التحديث هنا صريح في الحديث وهو على حقيقته ، لأن في ذلك اليوم تتغير أوضاع كل شيء ، وتظهر حقائق كل شيء ، وكما أنطق الله الجلود ينطق الأرض ، فتحدث بأخبارها ....