يذكر في هذا القرآن وينوه بمنته على داود وسليمان ابنه بالعلم الواسع الكثير بدليل التنكير كما قال تعالى : { وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا } الآية .
{ وَقَالا } شاكرين لربهما منته الكبرى بتعليمهما : { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ } فحمدا الله على جعلهما من المؤمنين أهل السعادة وأنهما كانا من خواصهم .
ولا شك أن المؤمنين أربع درجات : الصالحون ، ثم فوقهم الشهداء ، ثم فوقهم الصديقون ثم فوقهم الأنبياء ، وداود وسليمان من خواص الرسل وإن كانوا دون درجة أولي العزم [ الخمسة ] ، لكنهم من جملة الرسل الفضلاء الكرام الذين نوه الله بذكرهم ومدحهم في كتابه مدحا عظيما فحمدوا الله على بلوغ هذه المنزلة ، وهذا عنوان سعادة العبد أن يكون شاكرا لله على نعمه الدينية والدنيوية وأن يرى جميع النعم من ربه ، فلا يفخر بها ولا يعجب بها بل يرى أنها تستحق عليه شكرا كثيرا ،
( ولقد آتينا داود وسليمان علما . وقالا : الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين ) .
هذه هي إشارة البدء في القصة وإعلان الافتتاح . خبر تقريري عن أبرز النعم التي أنعم الله بها على داود وسليمان - عليهما السلام نعمة العلم . فأما عن داود فقد ورد تفصيل ما آتاه الله من العلم في سور أخرى . منها تعليمه الترتيل بمقاطع الزبور ، ترتيلا يتجاوب به الكون من حوله ، فتؤوب الجبال معه والطير ، لحلاوة صوته ، وحرارة نبراته ، واستغراقه في مناجاة ربه ، وتجرده من العوائق والحواجز التي تفصل بينه وبين ذرات هذا الوجود . ومنها تعليمه صناعة الزرد وعدة الحرب ، وتطويع الحديد له ، ليصوغ منه من هذا ما يشاء . ومنها تعليمه القضاء بين الناس ، مما شاركه فيه سليمان .
وأما سليمان ففي هذه السورة تفصيل ما علمه الله من منطق الطير وما إليه ؛ بالإضافة إلى ما ذكر في سور أخرى من تعليمه القضاء ، وتوجيه الرياح المسخرة له بأمر الله .
تبدأ القصة بتلك الإشارة : ( ولقد آتينا داود وسليمان علما )وقبل أن تنتهي الآية يجيء شكر داود وسليمان على هذه النعمة ، وإعلان قيمتها وقدرها العظيم ، والحمد لله الذي فضلهما بها على كثير من عباده المؤمنين . فتبرز قيمة العلم ، وعظمة المنة به من الله على العباد ، وتفضيل من يؤتاه على كثير من عباد الله المؤمنين .
ولا يذكر هنا نوع العلم وموضوعه لأن جنس العلم هو المقصود بالإبراز والإظهار . وللإيحاء بأن العلم كله هبة من الله ، وبأن اللائق بكل ذي علم أن يعرف مصدره ، وأن يتوجه إلى الله بالحمد عليه ، وأن ينفقه فيما يرضي الله الذي أنعم به وأعطاه . فلا يكون العلم مبعدا لصاحبه عن الله ، ولا منسيا له إياه . وهو بعض مننه وعطاياه
والعلم الذي يبعد القلب عن ربه علم فاسد ، زائغ عن مصدره وعن هدفه . لا يثمر سعادة لصاحبه ولا للناس ، إنما يثمر الشقاء والخوف والقلق والدمار ، لأنه انقطع عن مصدره ، وانحرف عن وجهته ، وضل طريقه إلى الله . .
ولقد انتهت البشرية اليوم إ لى مرحلة جيدة من مراحل العلم ، بتحطيم الذرة واستخدامها . ولكن ماذا جنت البشرية حتى اليوم من مثل هذا العلم الذي لا يذكر أصحابه الله ، ولا يخشونه ، ولا يحمدون له ، ولا يتوجهون بعلمهم إليه ? ماذا جنت غير الضحايا الوحشية في قنبلتي " هيروشيما " . و " ناجازاكي " وغير الخوف والقلق الذي يؤرق جفون الشرق والغرب ويتهددهما بالتحطيم والدمار والفناء ?
يخبر تعالى عما أنعم به على عبديه ونبييه داود وابنه سليمان ، عليهما من الله السلام ، من النعم الجزيلة ، والمواهب الجليلة ، والصفات الجميلة ، وما جمع لهما بين سعادة الدنيا والآخرة ، والملك والتمكين التام في الدنيا ، والنبوة والرسالة في الدين ؛ ولهذا قال : { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ } .
قال ابن أبي حاتم : ذكر عن إبراهيم بن يحيى بن تمام{[21980]} : أخبرني أبي ، عن جدي قال : كتب عمر بن عبد العزيز : إن الله لم ينعم على عَبد نعمة فحمد الله عليها ، إلا كان حَمْدُه أفضل من نعمته{[21981]} ، لو كنت لا تعرف ذلك إلا في كتاب الله المنزل ؛ قال الله تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ } ، وأي نعمة أفضل مما أوتي داود وسليمان ، عليهما السلام ؟
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.