غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا دَاوُۥدَ وَسُلَيۡمَٰنَ عِلۡمٗاۖ وَقَالَا ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٖ مِّنۡ عِبَادِهِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (15)

15

التفسير :

لما فرغ من قصة موسى شرع في قصة ثانية وهي قصة داود وابنه سليمان .

والتنوين في { علماً } إما للنوع أي طائفة من العلم أو للتعظيم أي علماً غزيراً . قال علماء المعاني : الواو في { وقالا } للعطف على محذوف لأن هذا مقام الفاء كقولك : أعطيته فشكر . فالتقدير : ولقد آتيناهما علماً فعملا به وعلماه وعرفا حق النعمة والفضيلة فيه { وقالا الحمد لله } وبيانه أن الشكر باللسان إنما يحسن إذا كان مسبوقاً بعمل القلب وهو العزم على فعل الطاعة وترك المعصية ، وبعمل الجوارح وهو الاشتغال بالطاعات فكأنه قال : ولقد آتيناهما علماً فعملاَ به قلباً وقالباً { وقالا } باللسان { الحمد لله } قلت : لقائل أن يقول : الأصل عدم الإضمار وقوله هذا مقام الفاء ممنوع ، وإنما يكون كذلك إذا أريد التعقيب والتسبيب فإن كان المراد مجرد الإخبار عما فعل بهما وعما فعلا فالواو كقولك " أعطيته وشكر " . وقوله { على كثير من عباده } يجوز أن يكون واردا " على سبيل التواضع وإن كانا مفضلين على جميع أهل زمانهما . ويجوز أن يكون وارداً على الحقيقة بالنسبة إلى زمانهما أو بالنسبة إلى سائر الأزمنة وهذا أظهر ، وإنما وصف العباد بالمؤمنين لئلا يظن أن سبب الفضيلة هو مجرد الإيمان ولكن ما يزيد عليه من الاستغراق في بحر العبودية والعرفان . وفي الآية دليل على شرف العلم وأن العالم يجب أن يتلقى علمه بشكر الله تعالى قلباً وقالباً وما التوفيق إلا منه .

/خ44