فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا دَاوُۥدَ وَسُلَيۡمَٰنَ عِلۡمٗاۖ وَقَالَا ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٖ مِّنۡ عِبَادِهِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (15)

ولما فرغ سبحانه من قصة موسى ، شرع في قصة داوود وابنه سليمان ، وهذه القصة وما قبلها و ما بعدها ، هي كالبيان والتقرير لقوله : { وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم } فقال :{ ولقد آتينا } أي : أعطينا { داود وسليمان } ابنه { علما } التنوين إما للنوع أي طائفة من العلم ، أو للتعظيم ، أي علما كثيرا ، قيل : المراد علم الدين والحكم ، وقيل : علم القضاء والسياسة ، وقيل : علم داود تسبيح الطير ، وعلم سليمان منطق الطير والدواب .

وكان لداود تسعة عشر ولدا ، سليمان واحد منهم ، وعاش داود مائة سنة وبينه وبين موسى{[1337]} خمسمائة سنة وتسع وستون سنة ، وعاش سليمان نيفا وخمسين سنة ، وبينه وبين محمد صلى الله عليه وسلم ألف سنة وسبعمائة سنة ذكره في التحبير .

{ وقالا } أي كل منهما والواو للعطف على المحذوف لأن هذا المقام مقام الفاء ، فالتقدير ولقد آتيناهما علما فعملا به وقالا شكرا لله .

{ الحمد لله } ويؤيده أن الشكر باللسان إنما يحسن إذا كان مسبوقا بعمل القلب ، وهو العزم على فعل الطاعة وترك المعصية { الذي فضلنا } بالعلم والنبوة وتسخير الطير والجن والإنس و الشياطين { على كثير } ممن لم يؤت علما أو مثل علمنا ، وهذه المقالة على سبيل التحدث والشكر { من عباده المؤمنين } ولم يفضلوا أنفسهم على الكل تواضعا منهم .

وظاهر النظم أن التسخير كان لكل من داود وسليمان ، ومثله في الخازن ، والخطيب وفي الآية دليل على شرف العلم ، وارتفاع محله ، وتقدم حملته وأهله وأن نعمة العلم من أجل النعم التي ينعم الله بها على عباده ، وأن من أوتيه فقد أوتي فضلا على كثير من العباد ، ومنح شرفا جليلا ، وما سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورثة الأنبياء إلا لمداناتهم لهم في الشرف والمنزلة لأنهم القوام بما بعثوا من أجله ، وفيها أنه يلزمهم لهذه النعمة الفاضلة أن يحمدوا الله على ما أوتوه ، وأن يعتقد العالم أنه إن فضل على كثير فقد فضل عليه مثلهم .

وما أحسن قول عمر رضي الله عنه : كل الناس أفقه من عمر .

وعمر بن عبد العزيز أنه كتب : إن الله لم ينعم على عبد نعمة فحمد الله عليها إلا كان حمده أفضل من نعمته لو كنت لا تعرف ذلك إلا في كتاب الله المنزل ، فقد قال الله عز وجل : { ولقد آتينا داود وسليمان علما إلى قوله : عباده المؤمنين } وأي نعمة أفضل مما أعطي داود وسليمان ؟

أقول : ليس في الآية ما يدل على ما فهمه رحمه الله ، والذي تدل عليه أنهما حمدا الله سبحانه على ما فضلهما به من النعم فمن أين تدل على أن حمده أفضل من نعمته .


[1337]:ليس في القرآن لا في السنة دليل على هذا التحديد التاريخي وبالرجوع إلى التواريخ الإسرائيلية لوحظ أنه ينقصه التحقيق، فهو لا يتفق مع أب حساب. المطيعي.