ولما فرغ سبحانه من قصة موسى ، شرع في قصة داوود وابنه سليمان ، وهذه القصة وما قبلها و ما بعدها ، هي كالبيان والتقرير لقوله : { وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم } فقال :{ ولقد آتينا } أي : أعطينا { داود وسليمان } ابنه { علما } التنوين إما للنوع أي طائفة من العلم ، أو للتعظيم ، أي علما كثيرا ، قيل : المراد علم الدين والحكم ، وقيل : علم القضاء والسياسة ، وقيل : علم داود تسبيح الطير ، وعلم سليمان منطق الطير والدواب .
وكان لداود تسعة عشر ولدا ، سليمان واحد منهم ، وعاش داود مائة سنة وبينه وبين موسى{[1337]} خمسمائة سنة وتسع وستون سنة ، وعاش سليمان نيفا وخمسين سنة ، وبينه وبين محمد صلى الله عليه وسلم ألف سنة وسبعمائة سنة ذكره في التحبير .
{ وقالا } أي كل منهما والواو للعطف على المحذوف لأن هذا المقام مقام الفاء ، فالتقدير ولقد آتيناهما علما فعملا به وقالا شكرا لله .
{ الحمد لله } ويؤيده أن الشكر باللسان إنما يحسن إذا كان مسبوقا بعمل القلب ، وهو العزم على فعل الطاعة وترك المعصية { الذي فضلنا } بالعلم والنبوة وتسخير الطير والجن والإنس و الشياطين { على كثير } ممن لم يؤت علما أو مثل علمنا ، وهذه المقالة على سبيل التحدث والشكر { من عباده المؤمنين } ولم يفضلوا أنفسهم على الكل تواضعا منهم .
وظاهر النظم أن التسخير كان لكل من داود وسليمان ، ومثله في الخازن ، والخطيب وفي الآية دليل على شرف العلم ، وارتفاع محله ، وتقدم حملته وأهله وأن نعمة العلم من أجل النعم التي ينعم الله بها على عباده ، وأن من أوتيه فقد أوتي فضلا على كثير من العباد ، ومنح شرفا جليلا ، وما سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورثة الأنبياء إلا لمداناتهم لهم في الشرف والمنزلة لأنهم القوام بما بعثوا من أجله ، وفيها أنه يلزمهم لهذه النعمة الفاضلة أن يحمدوا الله على ما أوتوه ، وأن يعتقد العالم أنه إن فضل على كثير فقد فضل عليه مثلهم .
وما أحسن قول عمر رضي الله عنه : كل الناس أفقه من عمر .
وعمر بن عبد العزيز أنه كتب : إن الله لم ينعم على عبد نعمة فحمد الله عليها إلا كان حمده أفضل من نعمته لو كنت لا تعرف ذلك إلا في كتاب الله المنزل ، فقد قال الله عز وجل : { ولقد آتينا داود وسليمان علما إلى قوله : عباده المؤمنين } وأي نعمة أفضل مما أعطي داود وسليمان ؟
أقول : ليس في الآية ما يدل على ما فهمه رحمه الله ، والذي تدل عليه أنهما حمدا الله سبحانه على ما فضلهما به من النعم فمن أين تدل على أن حمده أفضل من نعمته .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.