قوله تعالى : { ولما دخلوا على يوسف } ، قالوا هذا أخونا الذي أمرتنا أن نأتيك به قد جئناك به ، فقال : أحسنتم وأصبتم ، وستجدون جزاء ذلك عندي ، ثم أنزلهم وأكرمهم ، ثم أضافهم وأجلس كل اثنين منهم على مائدة ، فبقي بنيامين وحيدا ، فبكى وقال : لو كان أخي يوسف حيا لأجلسني معه ، فقال يوسف : لقد بقى أخوكم هذا وحيدا ، فأجلسه معه على مائدته ، فجعل يواكله فلما كان الليل أمر لهم بمثل ذلك وقال : لينم كل أخوين منكم على مثال ، فبقي بنيامين وحده ، فقال يوسف : هذا ينام معي على فراشي ، فنام معه ، فجعل يوسف يضمه إليه ويشم ريحه حتى أصبح ، وجعل روبين يقول : ما رأينا مثل هذا ، فلما أصبح ، قال لهم إني أرى هذا الرجل ليس معه ثان فسأضمه إلي فيكون منزله معي ، ثم أنزلهم منزلا وأجرى عليهم الطعام ، وأنزل أخاه لأمه معه { آوى إليه أخاه } ، أي : ضم إليه أخاه فلما خلا به قال : ما اسمك ؟ قال : بنيامين ، قال : وما بنيامين ؟ قال : ابن المشكل ، وذلك انه لما ولد هلكت أمه . قال : وما اسم أمك ؟ قال : راحيل بنت لاوي ، فقال : فهل لك من ولد ؟ قال : نعم عشرة بنين ، قال : فهل لك من أخ لأمك ، قال : كان لي أخ فهلك ، قال يوسف : أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك ، فقال بنيامين : ومن يجد أخا مثلك أيها الملك ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل ، فبكى يوسف عند ذلك وقام إليه وعانقه ، وقال : { قال إني أنا أخوك فلا تبتئس } ، أي : لا تحزن ، { بما كانوا يعملون } ، بشيء فعلوه بنا فيما مضى ، فإن الله تعالى قد أحسن إلينا ، ولا تعلمهم شيئا مما أعلمتك ، ثم أوفى يوسف لإخوته الكيل ، وحمل لهم بعيرا بعيرا ، ولبنيامين بعيرا باسمه ، ثم أمر بسقاية الملك فجعلت في رحل بنيامين . قال السدي : جعلت السقاية في رحل أخيه ، والأخ لا يشعر . وقال كعب : لما قال له يوسف إني أنا أخوك ، قال بنيامين : أنا لا أفارقك ، فقال له يوسف : قد علمت اغتمام والدي بي وإذا حبستك ازداد غمه ولا يمكنني هذا إلا بعد أن أشهرك بأمر فظيع وأنسبك إلى ما لا يحمد ، قال : لا أبالي ، فافعل ما بدا لك ، فإني لا أفارقك ، قال : فإني أدس صاعي في رحلك ثم أنادي عليكم بالسرقة ، ليهيأ لي ردك بعد تسريحك . قال : فافعل كما تريد .
{ وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
أي : لما دخل إخوة يوسف على يوسف { آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ } أي : شقيقه وهو " بنيامين " الذي أمرهم بالإتيان به ، [ و ] ضمه إليه ، واختصه من بين إخوته ، وأخبره بحقيقة الحال ، و { قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ } أي : لا تحزن { بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } فإن العاقبة خير لنا ، ثم خبره بما يريد أن يصنع ويتحيل لبقائه عنده إلى أن ينتهي الأمر .
( ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه . قال : إني أنا أخوك ، فلا تبتئس بما كانوا يعملون )
ونجد السياق هنا يعجل بضم يوسف لأخيه في المأوى ، وإطلاعه على أنه أخوه ؛ ودعوته لأن يترك من خاطره ذكرى ما فعله إخوته به من قبل ، وهي ذكرى لا بد كان يبتئس لها الصغير كلما علمها من البيت الذي كان يعيش فيه . فما كان يمكن أن تكون مكتومة عنه في وسطه في أرض كنعان .
يعجل السياق بهذا ، بينما الطبيعي والمفهوم أن هذا لم يحدث فور دخولهم على يوسف . ولكن بعد أن اختلى يوسف بأخيه . ولكن هذا ولا شك كان أول خاطر ساور يوسف عند دخولهم عليه ، وعند رؤيته لأخيه ، بعد الفراق الطويل .
يخبر تعالى عن إخوة يوسف لما قدموا على يوسف ومعهم أخوه شقيقه بنيامين ، فأدخلهم دار كرامته ومنزل ضيافته ، وأفاض عليهم الصلة والإلطاف والإحسان ، واختلى بأخيه فأطلعه على شأنه ، وما جرى له ، وعَرّفه أنه أخوه ، وقال له : " لا تبتئس " أي : لا تأسف على ما صنعوا بي ، وأمره بكتمان ذلك عنهم ، وألا يطلعهم على ما أطلعه عليه من أنه أخوه ، وتواطأ معه أنه سيحتال على أن يبقيه عنده ، مُعزّزًا مكرما معظما .
{ ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه } ضم إليه بنيامين على الطعام أو في المنزل روي : ( أنه أضافه فأجلسهم مثنى مثنى فبقي بنيامين وحيدا فبكى وقال : لو كان أخي يوسف حيا لجلس معي ، فأجلسه معه على مائدته ثم قال : لينزل كل اثنين منكم بيتا وهذا لا ثاني له فيكون معي فبات عنده وقال له : أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك ، قال : من يجد أخا مثلك ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل ، فبكى يوسف وقام إليه وعانقه و{ قال إني أنا أخوك فلا تبتئس } فلا تحزن افتعال من البؤس . { بما كانوا يعملون } في حقنا فيما مضى .
وقوله تعالى : { ولما دخلوا على يوسف } الآية . المعنى أنه لما دخل إخوة يوسف عليه ورأى أخاه شكر ذلك لهم - على ما روي - وضم إليه أخاه وآواه إلى نفسه . ومن هذه الكلمة المأوى . وكان بنيامين شقيق يوسف فآواه . وصورة ذلك - على ما روي عن ابن إسحاق وغيره - أن يوسف عليه السلام أمر صاحب ضيافته أن ينزلهم رجلين رجلين ، فبقي يامين وحده ، فقال يوسف : أنا أنزل هذا مع نفسي ، ففعل وبات عنده ؛ وقال له : { إني أنا أخوك } واختلف المتأولون في هذا اللفظ فقال ابن إسحاق وغيره : أخبره بأنه أخوه حقيقة واستكتمه ، وقال له : لا تبال بكل ما تراه من المكروه في تحيلي في أخذك منهم . وعلى هذا التأويل يحتمل أن يشير بقوله : { بما كانوا يعملون } إلى ما يعمله فتيان يوسف ، من أمر السقاية ونحو ذلك{[6749]} ؛ ويحتمل أن يشير إلى ما عمله الإخوة قديماً . وقال وهب بن منبه : إنما أخبره أنه أخوه في الود مقام أخيه الذاهب ، ولم يكشف إليه الأمر بل تركه تجوز عليه الحيلة كسائر إخوته . و { تبتئس } - تفتعل - من البؤس ، أي لا تحزن ولا تهتم ، وهكذا عبر المفسرون .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.