معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَإِذَا قُرِئَ ٱلۡقُرۡءَانُ فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُۥ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ} (204)

قوله تعالى : { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون } ، اختلفوا في سبب نزول هذه الآية : فذهب جماعة إلى أنها في القراءة في الصلاة ، روي عن أبي هريرة : أنهم كانوا يتكلمون في الصلاة بحوائجهم ، فأمروا بالسكوت والاستماع إلى قراءة القرآن ، وقال قوم : نزلت في ترك الجهر بالقراءة خلف الإمام .

وروي زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : نزلت هذه الآية في رفع الأصوات وهم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة ، وقال الكلبي : كانوا يرفعون أصواتهم في الصلاة حين يسمعون ذكر الجنة والنار . وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه سمع أناساً يقرؤون مم الإمام ، فلما انصرف قال : أما آن لكم أن تفقهوا { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا } كما أمركم الله ؟ وهذا قول الحسن ، والزهري ، والنخعي : إن الآية في القراءة في الصلاة . وقال سعيد بن جبير وعطاء ، ومجاهد : إن الآية في الخطبة ، أمروا بالإنصات لخطبة الإمام يوم الجمعة . وقال سعيد بن جبير : هذا في الإنصات يوم الأضحى والفطر ، ويوم الجمعة ، وفيما يجهر به الإمام ، وقال عمر بن عبد العزيز : الإنصات لقول كل واعظ ، والأول أولاها ، وهو أنها في القراءة في الصلاة ، لأن الآية مكية والجمعة وجبت بالمدينة ، واتفقوا على أنه مأمور بالإنصات حالة ما يخطب الإمام .

أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، ثنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، ثنا أبو العباس الأصم ، ثنا الربيع ثنا الشافعي ، ثنا مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت ) .

واختلف أهل العلم في القراءة خلف الإمام في الصلاة ، فذهب جماعة إلى إيجابها ، سواء جهر الإمام بالقراءة أو أسر ، روي ذلك عن عمر ، وعثمان ، وعلي ، وابن عباس ، ومعاذ ، وهو قول الأوزاعي والشافعي ، وذهب قوم إلى أنه يقرأ فيما أسر الإمام فيه بالقراءة ، ولا يقرأ إذا جهر ، روي ذلك عن ابن عمر ، وهو قول عروة بن ا لزبير ، والقاسم بن محمد ، وبه قال الزهري ، ومالك ، وابن المبارك وأحمد ، وإسحاق . وذهب قوم إلى أنه لا يقرأ سواء أسر الإمام أو جهر ، يروى ذلك عن جابر ، وبه قال الثوري وأصحاب الرأي ، ويتمسك من لا يرى القراءة خلف الإمام بظاهر هذه الآية ، ومن أوجبها قال : الآية في غير الفاتحة ، وإذا قرأ الفاتحة يتبع سكتات الإمام ولا ينازع الإمام في القراءة . والدليل عليه : ما أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي ، ثنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي ، ثنا أبو العباس المحبوبي ، ثنا أبو عيسى الترمذي ، ثنا هناد ، ثنا عبدة بن سليمان ، عن محمد بن إسحاق ، عن مكحول ، عن محمود بن الربيع ، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه ، قال : صلى النبي صلى الله عليه وسلم الصبح ، فثقلت عليه القراءة ، فلما انصرف قال : ( إني أراكم تقرؤون وراء إمامكم . قال : قلنا يا رسول الله إي والله ، قال : لا تفعلوا إلا بأم الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها ) .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِذَا قُرِئَ ٱلۡقُرۡءَانُ فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُۥ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ} (204)

204 وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ .

هذا الأمر عام في كل من سمع كتاب اللّه يتلى ، فإنه مأمور بالاستماع له والإنصات ، والفرق بين الاستماع والإنصات ، أن الإنصات في الظاهر بترك التحدث أو الاشتغال بما يشغل عن استماعه .

وأما الاستماع له ، فهو أن يلقي سمعه ، ويحضر قلبه ويتدبر ما يستمع ، فإن من لازم على هذين الأمرين حين يتلى كتاب اللّه ، فإنه ينال خيرا كثيرا وعلما غزيرا ، وإيمانا مستمرا متجددا ، وهدى متزايدا ، وبصيرة في دينه ، ولهذا رتب اللّه حصول الرحمة عليهما ، فدل ذلك على أن من تُلِيَ عليه الكتاب ، فلم يستمع له وينصت ، أنه محروم الحظ من الرحمة ، قد فاته خير كثير .

ومن أوكد ما يؤمر به مستمع القرآن ، أن يستمع له وينصت في الصلاة الجهرية إذا قرأ إمامه ، فإنه مأمور بالإنصات ، حتى إن أكثر العلماء يقولون : إن اشتغاله بالإنصات ، أولى من قراءته الفاتحة ، وغيرها .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِذَا قُرِئَ ٱلۡقُرۡءَانُ فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُۥ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ} (204)

199

ولأن هذا هو القرآن يجيء مباشرة في السياق هذا التوجيه للمؤمنين :

( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون )

فتختتم به السورة التي بدأت بالإشارة إلى هذا القرآن : ( كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه ، لتنذر به وذكرى للمؤمنين ) . .

وتختلف الروايات المأثورة في موضع هذا الأمر بالاستماع والإنصات إذا قرئ القرآن . . بعضهم يرى أن موضع هذا الأمر هو الصلاة المكتوبة . حين يجهر الإمام بالقرآن ؛ فيجب أن يستمع المأموم وينصت ، ولا يقرأ هو مع قراءة الإمام الجهرية . ولا ينازع الإمام القرآن ! وذلك كالذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن ، وقال الترمذي عنه : هذا حديث حسن ، وصححه أبو حاتم الرازي ، من حديث الزهري عن أبي أكثمة الليثي عن أبي هريرة أن رسول الله [ ص ] انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة فقال : " هل قرأ أحد منكم معي آنفاً به " قال رجل : نعم يا رسول الله . قال : " إني أقول : ما لي أنازع القرآن " فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله [ ص ] فيما جهر فيه بالقراءة من الصلاة حين سمعوا ذلك من رسول الله [ ص ] وكالذي رواه ابن جرير في التفسير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا المحاربي ، عن داود بن أبي هند ، عن بشير بن جابر قال : صلى ابن مسعود ، فسمع ناساً يقرأون مع الإمام . فلما انصرف قال : " أما آن لكم أن تفهموا ؛ أما آن لكم أن تعقلوا : ( إذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا )كما أمركم الله " !

وبعضهم يرى أن هذا كان توجيهاً للمسلمين أن لا يكونوا كالمشركين الذين كانوا يأتون رسول الله [ ص ] إذا صلى ، فيقول بعضهم لبعض بمكة : ( لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ) . فأنزل الله عز وجل جواباً لهم : ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا ) . . قال القرطبي هذا وقال نزل في الصلاة . روي عن ابن مسعود وأبي هريرة وجابر والزهري وعبيد الله بن عمير وعطاء بن أبي رباح وسعيد بن المسيب . .

وروى ابن جرير سبباً للنزول قال : حدثنا أبو كريب ، حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن عاصم عن المسيب

ابن رافع . قال ابن مسعود : كان يسلم بعضنا على بعض في الصلاة ، فجاء القرآن ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ) .

وقال القرطبي في التفسير : قال محمد بن كعب القرظي : كان رسول الله [ ص ] إذا قرأ القرآن في الصلاة أجابه من وراءه . إذا قال : بسم الله الرحمن الرحيم . قالوا مثل قوله ، حتى يقضي فاتحة الكتاب والسورة ، فلبث بذلك ما شاء الله أن يلبث فنزل : ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ) . وهذا يدل على أن المعنى بالإنصات ترك الجهر على ما كانوا يفعلون من مجاوبة رسول الله [ ص ] .

وقال القرطبي كذلك : وقال قتادة في هذه الآية : كان الرجل يأتي وهم في الصلاة فيسألهم : كم صليتم ؟ كم بقي ؟ فأنزل الله تعالى : ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا ) . . وعن مجاهد أيضاً : كانوا يتكلمون في الصلاة بحاجتهم ، فنزل قوله تعالى : ( . . . لعلكم ترحمون ) .

والذين يرون أنها خاصة بقراءة القرآن في الصلاة يستشهدون بما رواه ابن جرير : حدثنا حميد بن مسعدة ، حدثنا بشر بن المفضل ، حدثنا الجريري ، عن طلحة بن عبيد الله بن كريز قال : رأيت عبيد بن عمير وعطاء بن أبي رباح يتحدثان والقاص يقص [ يعني والقارئ يقرأ ] فقلت : ألا تستمعان إلى الذكر وتستوجبان الموعود ، [ يعني قوله تعالى : ( لعلكم ترحمون ) ] قال : فنظرا إلي ثم أقبلا على حديثهما ؛ قال فأعدت ، فنظرا إلي وأقبلا على حديثهما ! قال فأعدت الثالثة ، قال : فنظرا إلي فقالا : إنما ذلك في الصلاة : ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا ) . قال ابن كثير وهو يروي هذا الخبر : وكذا قال سفيان الثوري عن أبي هاشم إسماعيل بن كثير عن مجاهد في قوله : ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا )قال : في الصلاة ، وكذا رواه غير واحد عن مجاهد . وقال عبد الرازق ، عن الثوري عن ليث عن مجاهد ، قال : لا بأس إذا قرأ الرجل في غير الصلاة أن يتكلم . .

وبعضهم يرى أنها في الصلاة وفي الخطبة كذلك في الجمع والعيدين ، قاله سعيد بن جبير ومجاهد وعطاء وعمرو بن دينار ، ويزيد بن أسلم ، والقاسم بن مخيمرة ، ومسلم بن يسار وشهر بن حوشب وعبد الله ابن المبارك ، ولكن القرطبي قال : " وهذا ضعيف ، لأن القرآن فيها قليل ، والإنصات يجب في جميعها . قاله ابن العربي والنقاش : والآية مكية ولم يكن بمكة خطبة ولا جمعة " .

وقال القرطبي في التفسير : قال النقاش : أجمع أهل التفسير أن هذا الاستماع في الصلاة المكتوبة وغير المكتوبة . النحاس : وفي اللغة يجب أن يكون في كل شيء ، إلا أن يدل دليل على اختصاص شيء .

ونحن لا نرى في أسباب النزول التي وردت ما يخصص الآية بالصلاة المكتوبة وغير المكتوبة ، ذلك أن العبرة بعموم النص لا بخصوص السبب . والأقرب أن يكون ذلك عاماً لا يخصصه شيء ، فالاستماع إلى هذا القرآن والإنصات له - حيثما قرئ - هو الأليق بجلال هذا القول ، وبجلال قائله سبحانه ! وإذا قال الله أفلا يستمع الناس وينصتون ؟ ! ثم رجاء الرحمة لهم : ( لعلكم ترحمون ) . . ما الذي يخصصه بالصلاة ؟ وحيثما قرئ القرآن ، واستمعت له النفس وأنصتت ، كان ذلك أرجى لأن تعي وتتأثر وتستجيب ؛ فكان ذلك أرجى أن ترحم في الدنيا والآخرة جميعاً . .

إن الناس يخسرون الخسارة التي لا يعارضها شيء بالانصراف عن هذا القرآن . . وإن الآية الواحدة لتصنع أحياناً في النفس - حين تستمع لها وتنصت - أعاجيب من الأنفعال والتأثر والاستجابة والتكيف والرؤية

والإدراك والطمأنينة والراحة ، والنقلة البعيدة في المعرفة الواعية المستنيرة . . مما لا يدركه إلا من ذاقه وعرفه !

وإن العكوف على هذا القرآن - في وعي وتدبر لا مجرد التلاوة والترنم ! - لينشئ في القلب والعقل من الرؤية الواضحة البعيدة المدى ؛ ومن المعرفة المطمئنة المستيقنة ؛ ومن الحرارة والحيوية والانطلاق ! ومن الإيجابية والعزم والتصميم ؛ ما لا تدانيه رياضة أخرى أو معرفة أو تجريب !

وإن رؤية حقائق الوجود - من خلال التصوير القرآني - وحقائق الحياة ، ورؤية الحياة البشرية وطبيعتها وحاجاتها من خلال التقريرات القرآنية ، لهي رؤية باهرة واضحة دقيقة عميقة . تهدي إلى معالجتها وإلى مزاولتها بروح أخرى ، غير ما توجه إليه سائر التصويرات والتقريرات البشرية . .

وهذا كله أرجى إلى الرحمة . . وهو يكون في الصلاة وفي غير الصلاة . وليس هناك ما يخصص هذا التوجيه القرآني العام بالصلاة كما روى القرطبي عن النحاس .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِذَا قُرِئَ ٱلۡقُرۡءَانُ فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُۥ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ} (204)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلّكُمْ تُرْحَمُونَ } . .

يقول تعالى ذكره للمؤمنين به المصدّقين بكتابه الذين القرآن لهم هدى ورحمة : إذَا قُرِىءَ عليكم أيها المؤمنون ، القُرآنُ فاسْتَمِعُوا لَهُ يقول : أصغوا له سمعكم لتتفهّموا آياته وتعتبروا بمواعظه وأنصتوا إليه لتعقلوه وتتدبروه ، ولا تلغوا فيه فلا تعقلوه . لَعَلّكُمْ تُرْحَمُونَ يقول : ليرحمكم ربكم باتعاظكم بمواعظه ، واعتباركم بعبره ، واستعمالكم ما بينه لكم ربكم من فرائضه في آية .

ثم اختلف أهل التأويل في الحال التي أمر الله بالاستماع لقارىء القرآن إذا قرأ والإنصات له ، فقال بعضهم : ذلك حال كون المصلي في الصلاة خلف إمام يأتمّ به ، وهو يسمع قراءة الإمام عليه أن يسمع لقراءته . وقالوا : في ذلك أنزلت هذه الاَية . ذكر من قال ذلك .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن عاصم ، عن المسيب بن رافع ، قال : كان عبد الله يقول : كنا يسلم بعضنا على بعض في الصلاة ، سلام على فلان ، وسلام على فلان ، قال : فجاء القرآن : وَإذَا قرِىءَ القرآنُ فاسْتَمِعُوا لَهُ وأنْصِتُوا .

قال : حدثنا حفص بن غياث ، عن إبراهيم الهجَريّ عن أبي عياض ، عن أبي هريرة ، قال : كانوا يتكلمون في الصلاة ، فلما نزلت هذه الاَية : وَإذَا قُرِىءَ القُرآنُ والاَية الأخرى ، أُمروا بالإنصات .

حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا حفص ، عن أشعث ، عن الزهري ، قال : نزلت هذه الاَية في فتى من الأنصار كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما قرأ شيئا قرأه ، فنزلت : وَإذَا قُرِىءَ القُرآنُ فاسْتَمِعُوا لَهُ وأنْصِتُوا .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا المحاربي ، عن داود بن أبي هند ، عن بشير بن جابر ، قال : صلى ابن مسعود ، فسمع ناسا يقرءون مع الإمام ، فلما انصرف ، قال : أما آن لكم أن تفقهوا ؟ أما آن لكم أن تعقلوا ؟ وَإذَا قُرِىءَ القُرآنُ فاسْتَمِعُوا لَهُ وأنْصِتُوا كما أمركم الله .

حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، قال : حدثنا الجريري ، عن طلحة بن عبيد الله بن كريز ، قال : رأيت عبيد بن عمير وعطاء بن أبي رباح يتحدثان والقاصّ يقصّ ، فقلت : ألا تستمعان إلى الذكر وتستوجبان الموعود ؟ قال : فنظرا إليّ ثم أقبلا على حديثهما . قال : فأعدت فنظرا إليّ ، ثم أقبلا على حديثهما ، قال : فأعدت الثالثة ، قال : فنظرا إليّ فقالا : إنما ذلك في الصلاة : وَإذَا قُرِىءَ القُرآنُ فاسْتَمِعُوا لَهُ وأنْصِتُوا .

حدثني العباس بن الوليد ، قال : أخبرني أبي ، قال : سمعت الأوزاعي ، قال : حدثنا عبد الله بن عامر قال : ثني زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن هذه الاَية : وَإذَا قُرِىءَ القُرآنُ فاسْتَمِعُوا لَهُ وأنْصِتُوا قال : نزلت في رفع الأصوات وهم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي هاشم إسماعيل بن كثير ، عن مجاهد في قوله : وَإذَا قُرِىءَ القُرآنُ فاسْتَمِعُوا لَهُ وأنْصِتُوا قال : في الصلاة .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن رجل ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب : وَإذَا قُرِىءَ القُرآنُ فاسْتَمِعُوا لَهُ وأنْصِتُوا قال : في الصلاة .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : حدثنا ليث ، عن مجاهد : وَإذَا قُرِىءَ القُرآنُ فاسْتَمِعُوا لَهُ وأنْصِتُوا قال : في الصلاة .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، قال : سمعت حميدا الأعرج ، قال : سمعت مجاهدا يقول في هذه الاَية : وَإذَا قُرِىءَ القُرآنُ فاسْتَمِعُوا لَهُ وأنْصِتُوا قال : في الصلاة .

قال : ثني عبد الصمد ، قال : حدثنا شعبة ، قال : حدثنا حميد ، عن مجاهد بمثله .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير وابن إدريس ، عن ليث ، عن مجاهد : وَإذَا قُرِىءَ القُرآنُ فاسْتَمِعُوا لَهُ وأنْصِتُوا قال : في الصلاة المكتوبة .

قال : حدثنا المحاربي ، عن ليث ، عن مجاهد ، وعن حجاج ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد ، وعن ابن أبي ليلى ، عن الحكم ، عن سعيد بن جبير : وَإذَا قُرِىءَ القُرآنُ فاسْتَمِعُوا لَهُ وأنْصِتُوا قال : في الصلاة المكتوبة .

قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبي هاشم ، عن مجاهد : في الصلاة المكتوبة .

قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ، مثله .

قال : حدثنا المحاربي وأبو خالد ، عن جويبر ، عن الضحاك قال : في الصلاة المكتوبة .

قال : حدثنا جرير وابن فضيل ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : في الصلاة المكتوبة .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَإذَا قُرِىءَ القُرآنُ فاسْتَمِعُوا لَهُ وأنْصِتُوا قال : كانوا يتكلمون في صلاتهم بحوائجهم أوّل ما فرضت عليهم ، فأنزل الله ما تسمعون : وَإذَا قُرِىءَ القُرآنُ فاسْتَمِعُوا لَهُ وأنْصِتُوا .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : وَإذَا قُرِىءَ القُرآنُ فاسْتَمِعُوا لَهُ وأنْصِتُوا قال : كان الرجل يأتي وهم في الصلاة فيسألهم : كم صليتم ؟ كم بقي ؟ فأنزل الله : وَإذَا قُرِىءَ القُرآنُ فاسْتَمِعُوا لَهُ وأنْصِتُوا . وقال غيره : كانوا يرفعون أصواتهم في الصلاة حين يسمعون ذكر الجنة والنار ، فأنزل الله : وَإذَا قُرِىءَ القُرآنُ .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو خالد والمحاربي ، عن أشعث ، عن الزهريّ ، قال : كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يقرأ ورجل يقرأ ، فنزلت : وَإذَا قُرِىءَ القُرآنُ فاسْتَمِعُوا لَهُ وأنْصِتُوا .

قال : حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن الهَجَريّ عن أبي عياض ، عن أبي هريرة ، قال : كانوا يتكلمون في الصلاة ، فلما نزلت : وَإذَا قُرِىءَ القُرآنُ فاسْتَمِعُوا لَهُ وأنْصِتُوا قال : هذا في الصلاة .

قال : حدثنا أبي ، عن حريث ، عن عامر ، قال : في الصلاة المكتوبة .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : وَإذَا قُرِىءَ القُرآنُ فاسْتَمِعُوا لَهُ وأنْصِتُوا قال : إذا قرىء في الصلاة .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : حدثنا معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَإذَا قُرِىءَ القُرآنُ فاسْتَمِعُوا لَهُ يعني : في الصلاة المفروضة .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوريّ ، عن أبي هاشم ، عن مجاهد قال : هذا في الصلاة في قوله : وَإذَا قُرِىءَ القُرآنُ فاسْتَمِعُوا لَهُ .

قال : أخبرنا الثوريّ ، عن ليث ، عن مجاهد : أنه كره إذا مرّ الإمام بآية خوف أو بآية رحمة أن يقول أحد ممن خلفه شيئا ، قال : السكوت .

قال : أخبرنا الثوري ، عن ليث ، عن مجاهد : قال : لا بأس إذا قرأ الرجل في غير الصلاة أن يتكلم .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَإذَا قُرِىءَ القُرآنُ فاسْتَمِعُوا لَهُ وأنْصِتُوا لَعَلّكُمْ تُرْحَمُونَ قال : هذا إذا قام الإمام للصلاة فاستمعوا له وأنصتوا .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن يونس ، عن الزهريّ ، قال : لا يقرأ من وراء الإمام فيما يجهر به من القراءة ، تكفيهم قراءة الإمام وإن لم يسمعهم صوته ، ولكنهم يقرءون فيما لم يجهر به سرّا في نفسهم ، ولا يصلح لأحد خلفه أن يقرأ معه فيما يجهر به سرّا ولا علانية ، قال الله : وَإذَا قُرِىءَ القُرآنُ فاسْتَمِعُوا لَهُ وأنْصِتُوا لَعَلّكُمْ تُرْحمُونَ .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن ابن لهيعة ، عن ابن هبيرة ، عن ابن عباس أنه كان يقول في هذه : وَاذْكُرْ رَبّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرّعا وَخِيفَةً هذا في المكتوبة . وأما ما كان من قصص أو قراءة بعد ذلك ، فإنما هي نافلة . إن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاة مكتوبة ، وقرأ وراءه أصحابه ، فخلطوا عليه ، قال : فنزل القرآن : وَإذَا قُرِىءَ القُرآنُ فاسْتَمِعُوا لَهُ وأنْصِتُوا لَعَلّكُمْ تُرْحَمُونَ فهذا في المكتوبة .

وقال آخرون : بل عُني بهذه الاَية الأمر بالإنصات للإمام في الخطبة إذا قرىء القرآن في خطبة . ذكر من قال ذلك .

حدثنا تميم بن المنتصر ، قال : حدثنا إسحاق الأزرق ، عن شريك ، عن سعيد بن مسروق ، عن مجاهد ، في قوله : وَإذَا قُرِىءَ القُرآنُ فاسْتَمِعُوا لَهُ وأنْصِتُوا قال : الإنصات للإمام يوم الجمعة .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو خالد وابن أبي عتبة ، عن العّوام ، عن مجاهد ، قال : في خطبة يوم الجمعة .

وقال آخرون : عُني بذلك : الإنصات في الصلاة وفي الخطبة . ذكر من قال ذلك .

حدثني ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن منصور ، قال : سمعت إبراهيم بن أبي حمزة ، يحدث أنه سمع مجاهدا يقول في هذه الاَية : وَإذَا قُرِىءَ القُرآنُ فاسْتَمِعُوا لَهُ وأنْصِتُوا قال : في الصلاة ، والخطبة يوم الجمعة .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا هارون ، عن عنبسة ، عن جابر ، عن عطاء ، قال : وجب الصموت في اثنتين : عند الرجل يقرأ القرآن وهو يصلي ، وعند الإمام وهو يخطب .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن جابر ، عن مجاهد : وَإذَا قُرِىءَ القُرآنُ وجب الإنصات ، قال : وجب في اثنتين : في الصلاة والإمام يقرأ ، والجمعة والإمام يخطب .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال هشيم ، أخبرنا من سمع الحسن يقول : في الصلاة المكتوبة ، وعند الذكر .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن جابر ، عن مجاهد ، قال : وجب الإنصات في اثنتين : في الصلاة ، ويوم الجمعة .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن بقية بن الوليد ، قال : سمعت ثابت بن عجلان يقول : سمعت سعيد بن جبير يقول في قوله : وَإذَا قُرِىءَ القُرآنُ فاسْتَمِعُوا لَهُ وأنْصِتُوا قال : الإنصات : يوم الأضحى ، ويوم الفطر ، ويوم الجمعة ، وفيما يجهر به الإمام من الصلاة .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : أخبرنا هشيم ، عن الربيع بن صبيح ، عن الحسن ، قال : في الصلاة ، وعند الذكر .

حدثنا ابن البرقي ، قال : حدثنا ابن أبي مريم ، قال : حدثنا يحيى بن أيوب ، قال : ثني ابن جريج ، عن عطاء بن أبي رباح ، قال : أوجب الإنصات يوم الجمعة ، قول الله تعالى : وَإذَا قُرِىءَ القُرآنُ فاسْتَمِعُوا لَهُ وأنْصِتُوا لَعَلّكُمْ تُرْحَمُونَ وفي الصلاة مثل ذلك .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : أمروا باستماع القرآن في الصلاة إذا قرأ الإمام وكان من خلفه ممن يأتمّ به يسمعه ، وفي الخطبة .

وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب ، لصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : «إذَا قَرأ الإمامُ فأنْصِتوا » ، وإجماع الجميع على أن من سمع خطبة الإمام ممن عليه الجمعة ، الاستماع والإنصات لها ، مع تتابع الأخبار بالأمر بذلك ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنه لا وقت يجب على أحد استماع القرآن والإنصات لسامعه من قارئه إلاّ في هاتين الحالتين على اختلاف في إحداهما ، وهي حالة أن يكون خلف إمام مؤتمّ به . وقد صحّ الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ذكرنا من قوله : «إذَا قَرأ الإمامُ فأنْصِتُوا » فالإنصات خلفه لقراءته واجب على من كان به مؤتما سامعا قراءته بعموم ظاهر القرآن والخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِذَا قُرِئَ ٱلۡقُرۡءَانُ فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُۥ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ} (204)

{ وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون } نزلت في الصلاة كانوا يتكلمون فيها فأمروا باستماع قراءة الأمام والإنصات له . وظاهر اللفظ يقتضي وجوبهما حيث يقرأ القرآن مطلقا ، وعامة العلماء على استحبابهما خارج الصلاة . واحتج به من لا يرى وجوب القراءة على المأموم وهو ضعيف .