قوله تعالى : { وَإِذَا قُرِئَ القرآن فاستمعوا لَهُ } الآية .
لمَّا عظَّم شأن القرآن بقوله : " هَذَا بصائرُ " أردفهُ بقوله : { وَإِذَا قُرِئَ القرآن } .
قوله له متعلقٌ ب : استَمِعُوا على معنى لأجله ، والضمير للقرآن ، وقال أبو البقاءِ : يجوزُ أن يكون بمعنى للَّه ، أي لأجله فأعاد الضمير على الله وفيه بعدٌ ، وجوَّز أيضاً أن تكون اللام زائدةً : أي فاستمعُوهُ ، وقد تقدَّم أنَّ هذا لا يجوزُ عند الجمهور إلا في موضعين إمَّا تقديم المعمولِ ، أو كون العامل فرعاً ، وجوَّز أيضاً أن تكون بمعنى إلى ، ولا حاجة إليه .
قوله " وأنصتُوا " الإنصاتُ : السُّكوت للاستماعِ . قال الكميتُ : [ الطويل ]
أبُوكَ الذي أجْدَى عَلَيَّ بِنصْرِهِ *** فأنْصَتَ عَنِّي بعده كُلَّ قَائِلِ{[17127]}
قال الفراء : ويقال : نصت ونصت بمعنى واحدٍ ، وقد جاء أنْصَت متعديّاً .
فقوله : { فاستمعوا لَهُ وَأَنصِتُواْ } أمرٌ ، وظاهر الأمر للوجوب ، فيقتضي أن يكون الاستماعُ والسكوتُ واجباً ولعله يجوز أن تكون بحسب المخاطبين ، وأن تكون للتعليل وفيه أقوال .
أحدها : قال الحسنُ وأهلُ الظاهر : يجب الاستماعُ والإنصات لكل قارئ ، سواء كان معلم صبيان أو قارئ طريق .
الثاني : تحريم الكلام في الصَّلاة .
قال أبو هريرة : كانوا يتكلَّمون في الصَّلاة فنزلت هذه الآية ، فأمروا بالإنصات{[17128]} .
وقال قتادةُ : كان الرَّجُلُ يأتي وهُم في الصَّلاةِ ، فيسألهم : كم صلَّيتم وكم بقي ؟ وكانُوا يتكلَّمون في الصَّلاةِ بحوائجهم{[17129]} فأنزل اللَّهُ هذه الآية .
الثالث : نزلت في ترك الجَهْر بالقراءة وراء الإمام .
قال ابنُ عبَّاسٍ : قرأ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في الصَّلاة المكتوبةِ ، وقرأ أصحابه وراءهُ رافعينَ أصواتهم ؛ فخلطوا عليهم فنزلت هذه الآية{[17130]} ، وهذا قول أبي حنيفة وأصحابه .
وقال الكلبيُّ : كانوا يرفعون أصواتهم في الصلاة حين يسمعون ذكر الجنة والنار{[17131]} ، وعن ابن مسعود أنَّهُ سمع ناساً يقرءون مع الإمام فلمَّا انصرف ، قال : أما آن لكم أن تفقهوا { وَإِذَا قُرِئَ القرآن فاستمعوا لَهُ وَأَنصِتُواْ } وهو قول الحسن والزهري والنخعي{[17132]} وقال سعيد بن جبير ، وعطاء ، ومجاهد : إنَّ الآية في الخطبة ، أمروا بالإنصات لخطبة الإمام يوم الجمعة ، وهذا بعيدٌ لأنَّ الآية مكَّية والجمعة وجبت بالمدينة{[17133]} .
اختلفوا في القراءة خلف الإمام في الصَّلاة ، فروي عن عمر ، وعثمان ، وعليِّ ، وابن عباسٍ ومعاذ ، وجوب القراءة سواء جهر الإمامُ بالقراءة أو أسرَّ ، وهو قول الأوزاعي ، والشافعي ؛ وروي عن ابن عمر ، وعروة بن الزبير ، والقاسم بن محمد : أنَّ المأموم يقرأ فيما أسر الإمام فيه ، ولا يقرأ إذا جهر ، وبه قال الزهري " : ومالك ، وابن المبارك ، وأحمد وإسحاق ، وروي عن جابر أنَّ المأموم لا يقرأ سواء أسر الإمام أم جهر ، وبه{[17134]} قال الثَّوري ، وأصحابُ الرأي ، وتمسك من لا يرى القراءة خلف الإمام بظاهر هذه الآية ، ومن أوجبها قال : الآية في غير الفاتحةِ ، ويقرأ الفاتحة في سكتاتِ الإمام ولا ينازعُ الإمام في القراءة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.