جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{وَإِذَا قُرِئَ ٱلۡقُرۡءَانُ فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُۥ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ} (204)

{ وإذا قُرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا{[1798]} لعلكم ترحمون } الأصح أنها نزلت في ترك التكلم في الصلاة{[1799]} أو ترك القراءة مع الإمام إذا جهر فيها ولا شك أنه يستحب الاستماع والإنصات عند قراءة القرآن مطلقا .


[1798]:أي عما سواه فلا حجة فيه لمن منع القراءة مع الإمام في الجهرية للإجماع على جواز اجتماع قارئين يسمع كل واحد منهما قراءة الآخر في غير الصلاة مع أن الإمام مأمور بالسكوت وقت قراءة المأموم/12 تبصير الرحمن.
[1799]:كذا قاله ابن عباس وابن مسعود وأبو هريرة وجماعة لا تحصى من السلف قال مجاهد: لا بأس إذا قرأ الرجل في غير الصلاة أن يتكلم وجماهير السلف أن المراد بذلك في الصلاة/12 منه، واختلف العلماء في القراءة خلف الإمام فذهب جماعة إلى إيجابها سواء جهر الإمام بالقراءة أو أسر ّ يروى ذلك عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود ومعاذ وهو قول الأوزاعي وإليه ذهب الشافعي وذهب قوم إلى أنه يقرأ فيما أسرّ الإمام فيه القراءة، ولا يقرأ فيما جهر الإمام فيه يروى عن ابن عمر وهو قول عروة بن الزبير والقاسم بن محمد وبه قال الزهري ومالك وابن المبارك وأحمد وإسحاق، وذهب قوم إلى أنه لا يقرأ سواء أسر الإمام أو جهر الإمام يروى ذلك عن جابر وإليه ذهب أصحاب الرأي حجة من لا يرى القراءة خلف الأمام هذه الآية ، وحجة من قال يقرأ في السرية دون الجهرية أن الآية تدل على الأمر بالاستماع لقراءة القرآن ودلت السنة على وجوب القراءة خلف الإمام، فحملنا مدلول الآية على الصلاة الجهرية وحملنا مدلول السنة على الصلاة السرية جمعا بين دلائل الكتاب والسنة، وحجة من أوجب القراءة خلف الإمام في الصلاة السرية والجهرية قال: الآية واردة في غير الفاتحة؛ لأن دلائل السنة قد دلت على وجوب قراءة الفاتحة خلف الإمام، ولم يفرق بين السرية والجهرية، قالوا: وإذا قرأ الفاتحة خلف الإمام فيتتبع سكتاته ولا ينازعه في القراءة، ولا يجهر بالقراءة خلفه ويدل عليه ما روي عن عبادة بن الصامت قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح فثقلت عليه القراءة فلما انصرف قال: (أراكم تقرءون وراء إمامكم قال قلت: يا رسول الله أي والله. قال. لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) أخرجه الترمذي بطوله وفي الصحيحين أقصر منه: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)، وروى مسلم عن أبي هريرة مرفوعا: (من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج) يقولها ثلاثا غير تمام. فقيل لأبي هريرة إنا نكون وراء الإمام قال: اقرأ بها في نفسك/ لباب التأويل المعروف بالخازن. وقال الرازي لا حجة لمانعي القراءة في الآية لأن الخطاب فيها مع الكفار؛ لأنهم طلبوا معجزة فبين تعالى أن القرآن بصائر وهدى لو استمعوا له وأنصتوا حتى يفقهوا فصاحته وعلومه الكثيرة الدالة على صدق محمد -صلى الله عليه وسلم- ولو قلنا إن المراد منه قراءة المأموم خلف الإمام لم يحصل بين هذه الآية وبين ما قبلها تعلق بوجه من الوجوه، وانقطع النظم وحصل فساد الترتيب، وذلك لا يليق بكلام الله تعالى فوجب أن يكون المراد منه شيئا آخر سوى هذا الوجه، وعند هذا يسقط استدلال الخصوم بهذه الآية من كل الوجوه ومما يقوى أن حمل الآية على ما ذكرناه أولى وجوه: الأول: أنه تعالى حكى عن الكفار أنهم قالوا: (لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون) (فصلت: 26) فلما حكى عنهم ذلك ناسب أن يأمرهم بالاستماع والسكوت حتى يمكنهم الوقوف على ما في القرآن إلى آخر ما بين الوجوه وللقوم في المسألة كلام مشبع ورسائل متفرقة ردًّا وإثباتا من شاء تفاصيل المسألة فليرجع إليها وذكر دلائل المسألة في هذا المقام أزيد مما بينا يوجب السآمة ويشغل عن أصل المراد منه: فدع عنك نهبا صيح في حجراته! وهات حديثا ما حديث الرواحل/12.