الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَإِذَا قُرِئَ ٱلۡقُرۡءَانُ فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُۥ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ} (204)

والإنصاتُ : السُّكون للاستماع ، قاله الفراء . ويقال : نَصَتَ وأنصت بمعنى واحد ، وقد جاء أنصت متعدياً ، قال الكميت :

أبوك الذي أجْدَى عليك بنصره *** فأنصت عني بعده كلَّ قائل

قوله تعالى : { لَهُ } : متعلَّقٌ ب استمعوا ، على معنى لأجله ، والضمير للقرآن . وقال أبو البقاء : " يجوزُ أن يكون بمعنى لله ، أي : لأجله " ، فأعاد الضميرَ على " الله " وفيه بُعْدٌ ، وجَوَّز أيضاً أن تكونَ اللامُ زائدةً ، أي : فاستمعوه ، وقد عَرَفْتَ أن هذا لا يجوز عند الجمهور إلا في موضعين : إمّا تقديمِ المعمولِ أو كونِ العامل فرعاً . وجوَّز أيضاً أن تكون بمعنى إلى ولا حاجة إليه .

والاجتباء : افتعال مِنْ جَبَاه يَجْبيه ، أي : جمعه مختاراً له ، ولهذا غلب : اجتبيتُ الشيء ، أي : اخترته . وقال الزمخشري : " اجتبى الشيء : بمعنى جَبَاه لنفسه ، أي : جمعه/ كقولك : اجتمعه أو جُبِيَ إليه فاجتباه ، أي : أخذه كقوله : جَلَيْتُ إليه العروس فاجتلاها ، والمعنى : هلا اجتمعتها افتعالاً من عند نفسك لأنهم كانوا يقولون : { إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ } [ الفرقان : 4 ] .