معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا دَاوُۥدَ وَسُلَيۡمَٰنَ عِلۡمٗاۖ وَقَالَا ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٖ مِّنۡ عِبَادِهِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (15)

قوله تعالى : { ولقد آتينا داود وسليمان علماً } أي : علم القضاء ومنطق الطير والدواب وتسخير الشياطين وتسبيح الجبال ، { وقالا الحمد لله الذي فضلنا } بالنبوة والكتاب وتسخير الشياطين والجن والإنس . { على كثير من عباده المؤمنين* }

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا دَاوُۥدَ وَسُلَيۡمَٰنَ عِلۡمٗاۖ وَقَالَا ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٖ مِّنۡ عِبَادِهِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (15)

يذكر في هذا القرآن وينوه بمنته على داود وسليمان ابنه بالعلم الواسع الكثير بدليل التنكير كما قال تعالى : { وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا } الآية .

{ وَقَالا } شاكرين لربهما منته الكبرى بتعليمهما : { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ } فحمدا الله على جعلهما من المؤمنين أهل السعادة وأنهما كانا من خواصهم .

ولا شك أن المؤمنين أربع درجات : الصالحون ، ثم فوقهم الشهداء ، ثم فوقهم الصديقون ثم فوقهم الأنبياء ، وداود وسليمان من خواص الرسل وإن كانوا دون درجة أولي العزم [ الخمسة ] ، لكنهم من جملة الرسل الفضلاء الكرام الذين نوه الله بذكرهم ومدحهم في كتابه مدحا عظيما فحمدوا الله على بلوغ هذه المنزلة ، وهذا عنوان سعادة العبد أن يكون شاكرا لله على نعمه الدينية والدنيوية وأن يرى جميع النعم من ربه ، فلا يفخر بها ولا يعجب بها بل يرى أنها تستحق عليه شكرا كثيرا ،

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا دَاوُۥدَ وَسُلَيۡمَٰنَ عِلۡمٗاۖ وَقَالَا ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٖ مِّنۡ عِبَادِهِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (15)

15

( ولقد آتينا داود وسليمان علما . وقالا : الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين ) .

هذه هي إشارة البدء في القصة وإعلان الافتتاح . خبر تقريري عن أبرز النعم التي أنعم الله بها على داود وسليمان - عليهما السلام نعمة العلم . فأما عن داود فقد ورد تفصيل ما آتاه الله من العلم في سور أخرى . منها تعليمه الترتيل بمقاطع الزبور ، ترتيلا يتجاوب به الكون من حوله ، فتؤوب الجبال معه والطير ، لحلاوة صوته ، وحرارة نبراته ، واستغراقه في مناجاة ربه ، وتجرده من العوائق والحواجز التي تفصل بينه وبين ذرات هذا الوجود . ومنها تعليمه صناعة الزرد وعدة الحرب ، وتطويع الحديد له ، ليصوغ منه من هذا ما يشاء . ومنها تعليمه القضاء بين الناس ، مما شاركه فيه سليمان .

وأما سليمان ففي هذه السورة تفصيل ما علمه الله من منطق الطير وما إليه ؛ بالإضافة إلى ما ذكر في سور أخرى من تعليمه القضاء ، وتوجيه الرياح المسخرة له بأمر الله .

تبدأ القصة بتلك الإشارة : ( ولقد آتينا داود وسليمان علما )وقبل أن تنتهي الآية يجيء شكر داود وسليمان على هذه النعمة ، وإعلان قيمتها وقدرها العظيم ، والحمد لله الذي فضلهما بها على كثير من عباده المؤمنين . فتبرز قيمة العلم ، وعظمة المنة به من الله على العباد ، وتفضيل من يؤتاه على كثير من عباد الله المؤمنين .

ولا يذكر هنا نوع العلم وموضوعه لأن جنس العلم هو المقصود بالإبراز والإظهار . وللإيحاء بأن العلم كله هبة من الله ، وبأن اللائق بكل ذي علم أن يعرف مصدره ، وأن يتوجه إلى الله بالحمد عليه ، وأن ينفقه فيما يرضي الله الذي أنعم به وأعطاه . فلا يكون العلم مبعدا لصاحبه عن الله ، ولا منسيا له إياه . وهو بعض مننه وعطاياه

والعلم الذي يبعد القلب عن ربه علم فاسد ، زائغ عن مصدره وعن هدفه . لا يثمر سعادة لصاحبه ولا للناس ، إنما يثمر الشقاء والخوف والقلق والدمار ، لأنه انقطع عن مصدره ، وانحرف عن وجهته ، وضل طريقه إلى الله . .

ولقد انتهت البشرية اليوم إ لى مرحلة جيدة من مراحل العلم ، بتحطيم الذرة واستخدامها . ولكن ماذا جنت البشرية حتى اليوم من مثل هذا العلم الذي لا يذكر أصحابه الله ، ولا يخشونه ، ولا يحمدون له ، ولا يتوجهون بعلمهم إليه ? ماذا جنت غير الضحايا الوحشية في قنبلتي " هيروشيما " . و " ناجازاكي " وغير الخوف والقلق الذي يؤرق جفون الشرق والغرب ويتهددهما بالتحطيم والدمار والفناء ?