قوله تعالى : { الذين آتيناهم الكتاب من قبله } من قبل محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم . وقيل : من قبل القرآن ، { هم به يؤمنون } نزلت في مؤمني أهل الكتاب ، عبد الله بن سلام وأصحابه . وقال مقاتل : بل هم أهل الإنجيل الذين قدموا من الحبشة وآمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم . وقال سعيد بن جبير : هم أربعون رجلاً قدموا مع جعفر من الحبشة على النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما رأوا ما بالمسلمين من الخصاصة قالوا : يا نبي الله إن لنا أموالاً فإن أذنت لنا انصرفنا وجئنا بأموالنا فواسينا المسلمين بها فأذن لهم ، فانصرفوا فأتوا بأموالهم ، فواسوا بها المسلمين ، فنزل فيهم : { الذين آتيناهم الكتاب } إلى قوله تعالى : { ومما رزقناهم ينفقون } . وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : نزلت في ثمانين من أهل الكتاب ، أربعون من نجران ، واثنان وثلاثون من الحبشة ، وثمانية من الشام .
{ 52-55 } { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ }
يذكر تعالى عظمة القرآن وصدقه وحقه ، وأن أهل العلم بالحقيقة يعرفونه ويؤمنون به ويقرون بأنه الحق ، { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ } وهم أهل التوراة ، والإنجيل ، الذين لم يغيروا ولم يبدلوا { هُمْ بِهِ } أي : بهذا القرآن ومن جاء به { يُؤْمِنُونَ }
وقوله : الّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ يعني بذلك تعالى ذكره قوما من أهل الكتاب آمنوا برسوله وصدّقوه ، فقال الذين آتيناهم الكتاب من قبل هذا القرآن ، هم بهذا القرآن يؤمنون ، فيقرّون أنه حقّ من عند الله ، ويكذّب جهلة الأميين ، الذين لم يأتهم من الله كتاب . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله تعالى الّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ قال : يعني من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد الّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ . . . إلى قوله لا نَبْتَغي الجاهِلِينَ في مسلمة أهل الكتاب .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله الّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ . . . إلى قوله الجاهِلِينَ قال : هم مُسْلِمة أهل الكتاب . قال ابن جُرَيج : أحبرني عمرو بن دينار : أن يحيى بن جعدة أخبره ، عن عليّ بن رفاعة ، قال : خرج عشرة رَهْط من أهل الكتاب ، منهم أبو رِفاعة ، يعني أباه ، إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فآمنوا ، فأُوذوا ، فنزلت : الّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ قبل القرآن .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله الّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ قال : كنا نحدّث أنها نزلت في أناس من أهل الكتاب كانوا على شريعة من الحقّ ، يأخذون بها ، وينتهون إليها ، حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم ، فآمنوا به ، وصدّقوا به ، فأعطاهم الله أجرهم مرتين ، بصبرهم على الكتاب الأوّل ، واتباعهم محمدا صلى الله عليه وسلم ، وصبرهم على ذلك ، وذكر أن منهم سَلْمان ، وعبد الله بن سَلاَم .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : الّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ . . . إلى قوله مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ : ناس من أهل الكتاب آمنوا بالتوراة والإنجيل ثم أدركوا محمدا صلى الله عليه وسلم ، فَآمنوا به ، فَأَتاهم الله أجرهم مرّتين بما صبروا : بإيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث ، وباتباعهم إياه حين بعث ، فذلك قوله : إنّا كُنّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ .
لمّا أفهم قوله { لعلهم يتذكرون } [ القصص : 51 ] أنهم لم يفعلوا ولم يكونوا عند رجاء الراجي عقب ذلك بهذه الجملة المستأنفة استئنافاً بيانياً لأنها جواب لسؤال من يسأل هل تذكر غيرهم بالقرآن أو استوى الناس في عدم التذكر به . فأجيب بأن الذين أوتوا الكتاب من قبل نزول القرآن يؤمنون به إيماناً ثابتاً .
والمراد بالذين أوتوا الكتاب طائفة معهودة من أهل الكتاب شهد الله لهم بأنهم يؤمنون بالقرآن ويتدبرونه وهم بعض النصارى ممن كان بمكة مثل ورقة بن نوفل ، وصهيب ، وبعض يهود المدينة مثل عبد الله بن سلام ورفاعة بن رفاعة القرظي ممن بلغته دعوة النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يهاجر النبي إلى المدينة فلما هاجر أظهروا إسلامهم .
وقيل : أريد بهم وفد من نصارى الحبشة اثنا عشر رجلاً بعثهم النجاشي لاستعلام أمر النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فجلسوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمنوا به وكان أبو جهل وأصحابه قريباً منهم يسمعون إلى ما يقولون فلما قاموا من عند النبي صلى الله عليه وسلم تبعهم أبو جهل ومن معه فقال لهم : خيَّبكم الله من ركب وقبحكم من وفد لم تلبثوا أن صدقتموه ، فقالوا : سلام عليكم لم نأل أنفسنا رشداً لنا أعمالنا ولكم أعمالكم . وبه ظهر أنهم لما رجعوا أسلم النجاشي وقد أسلم بعض نصارى الحبشة لما وفد إليهم أهل الهجرة إلى الحبشة وقرأوا عليهم القرآن وأفهموهم الدين .
وضمير { من قبله } عائد إلى القول من { ولقد وصلنا لهم القول } [ القصص : 51 ] ، وهو القرآن . وتقديم المسند إليه على الخبر الفعلي في { هم به يؤمنون } لتقوي الخبر . وضمير الفصل مقيد للقصر الإضافي ، أي هم يوقنون بخلاف هؤلاء الذين وصلنا لهم القول .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.