معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَٰصَٰحِبَيِ ٱلسِّجۡنِ ءَأَرۡبَابٞ مُّتَفَرِّقُونَ خَيۡرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلۡوَٰحِدُ ٱلۡقَهَّارُ} (39)

ثم دعاهما إلى الإسلام فقال : { يا صاحبي السجن } ، جعلهما صاحبي السجن لكونهما فيه ، كما يقال لسكان الجنة : أصحاب الجنة ، ولسكان النار : أصحاب النار ، { أأرباب متفرقون } ، أي : آلهة شتى ، هذا من ذهب ، وهذا من فضة ، وهذا من حديد ، وهذا أعلى ، وهذا أوسط ، وهذا أدنى ، متباينون لا تضر ولا تنفع ، { خير أم الله الواحد القهار } ، الذي لا ثاني له . القهار : الغالب على الكل .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَٰصَٰحِبَيِ ٱلسِّجۡنِ ءَأَرۡبَابٞ مُّتَفَرِّقُونَ خَيۡرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلۡوَٰحِدُ ٱلۡقَهَّارُ} (39)

ثم صرح لهما بالدعوة ، فقال : { يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } أي : أرباب عاجزة ضعيفة لا تنفع ولا تضر ، ولا تعطي ولا تمنع ، وهي متفرقة ما بين أشجار وأحجار وملائكة وأموات ، وغير ذلك من أنواع المعبودات التي يتخذها المشركون ، أتلك { خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ } الذي له صفات الكمال ، { الْوَاحِدُ } في ذاته وصفاته وأفعاله فلا شريك له في شيء من ذلك .

{ الْقَهَّارُ } الذي انقادت الأشياء لقهره وسلطانه ، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن { ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها } ومن المعلوم أن من هذا شأنه ووصفه خير من الآلهة المتفرقة التي هي مجرد أسماء ، لا كمال لها ولا أفعال لديها . ولهذا قال : { مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَٰصَٰحِبَيِ ٱلسِّجۡنِ ءَأَرۡبَابٞ مُّتَفَرِّقُونَ خَيۡرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلۡوَٰحِدُ ٱلۡقَهَّارُ} (39)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَصَاحِبَيِ السّجْنِ أَأَرْبَابٌ مّتّفَرّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهّارُ } .

قال أبو جعفر : ذُكر أن يوسف صلوات الله وسلامه عليه قال هذا القول للفتيين اللذين دخلا معه السجن ؛ لأن أحدهما كان مشركا ، فدعاه بهذا القول إلى الإسلام وترك عبادة الاَلهة والأوثان ، فقال : { يا صَاحِبَيِ السّجْنِ } ، يعني : يا من هو في السجن . وجعلهما صاحبيه لكونهما فيه ، كما قال الله تعالى لسكان الجنة : { أولَئِكَ أصْحابُ الجَنّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ } ، وكذلك قال لأهل النار ، وسمّاهم أصحابها لكونهم فيها .

وقوله : { أأرْبابٌ مُتَفَرّقُونَ خَيْرٌ أم اللّهُ الوَاحِدُ القَهّارِ } ، يقول : أعبادة أرباب شتى متفرّقين وآلهة لا تنفع ولا تضرّ خير ، أم عبادة المعبود الواحد الذي لا ثاني له في قدرته وسلطانه ، الذي قهر كلّ شيء فذَلَّلَهُ وسخره ، فأطاعه طوعا وكرها .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { يا صَاحِبَيِ السّجْنَ أأرْبابٌ مُتَفَرّقُونَ . . . } ، إلى قوله : { لا يَعْلَمُونَ } ، لما عرف نبي الله يوسف أن أحدهما مقتول دعاهما إلى حظهما من ربهما وإلى نصيبهما من آخرتهما .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { يا صَاحِبَيِ السّجْنِ } ، يوسف يقوله .

قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ثم دعاهما إلى الله وإلى الإسلام ، فقال : { يا صَاحِبَيِ السّجْنِ أأرْبابٌ مُتَفَرّقُونَ خَيْرٌ أمِ اللّهُ الوَاحِدُ القَهّارُ } ، أي : خير أن تعبدوا إلها واحدا ، أو آلهة متفرّقة لا تغني عنكم شيئا ؟

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَٰصَٰحِبَيِ ٱلسِّجۡنِ ءَأَرۡبَابٞ مُّتَفَرِّقُونَ خَيۡرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلۡوَٰحِدُ ٱلۡقَهَّارُ} (39)

وصفه لهما ب { صاحبي السجن } هو : إما على أن نسبهما بصحبتهما للسجن من حيث سكناه - كما قال : { أصحاب الجنة }{[6685]} ، و { أصحاب الجحيم }{[6686]} ونحو هذا - وإما أن يريد صحبتهما له في السجن ، فأضافهما إلى السجن بذلك ، كأنه قال : يا صاحبيَّ في السجن ، وهذا كما قيل في الكفار إن الأصنام شركاؤهم ؛ وعرضه عليهما بطول أمر الأوثان بأن وصفها «بالتفرق »{[6687]} ، ووصف الله تعالى ب «الوحدة » و «القهر » تلطف حسن وأخذ بيسير الحجة قبل كثيرها الذي ربما نفرت منه طباع الجاهل وعاندته ، وهكذا الوجه في محاجة الجهلة أن يؤخذ بدرجة يسيرة من الاحتجاج يقبلها ، فإذا قبلها لزمته عنها درجة أخرى فوقها ، ثم كذلك أبداً حتى يصل إلى الحق ، وإن أخذ الجاهل بجميع المذهب الذي يساق إليه دفعة أباه للحين وعانده ؛ وقد ابتلي بأرباب متفرقين من يخدم أبناء الدنيا ويؤملهم .


[6685]:من قوله تعالى في الآية (44) من سورة (الأعراف): {ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار} ـ وتكررت في قوله تعالى في الآية (20) من سورة (الحشر): {لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون}.
[6686]:من الآية (119 من سورة البقرة)، وتكررت في الآيات (10،86 ـ المائدة) و (113 ـ التوبة) و (51 ـ الحج) و (19 ـ الحديد).
[6687]:بطول: مصدر الفعل (بطل)، والمعنى المراد أنه عرض على الفتيين بطلان أمر الأوثان بأن وصفها بالتفرق في قوله: {أرباب متفرقون}، وقد يضاف إلى التفرق دليلا على بطلان أمرها التعدد أيضا، فقد قال عنها [أرباب] بصيغة الجمع، و كذلك هذا الاستفهام الإنكاري أو التقريري إلى جانب ما وصف به الله سبحانه وتعالى من الوحدة والقهر إزاء تعددها وتفرقها. و (تلطف حسن ) هو جواب المبتدأ (عرضه).