البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَٰصَٰحِبَيِ ٱلسِّجۡنِ ءَأَرۡبَابٞ مُّتَفَرِّقُونَ خَيۡرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلۡوَٰحِدُ ٱلۡقَهَّارُ} (39)

لما ذكر ما هو عليه من الدين الحنيفي تلطف في حسن الاستدلال على فساد ما عليه قوم الفتيين من عبادة الأصنام ، فناداهما باسم الصحبة في المكان الشاق الذي تخلص فيه المودة وتتمخض فيه النصيحة .

واحتمل قوله : يا صاحبي السجن ، أن يكون من باب الإضافة إلى الظرف ، والمعنى : يا صاحبيّ في السجن ، واحتمل أن يكون من إضافته إلى شبه المفعول كأنه قيل : يا ساكني السجن ، كقوله { أصحاب النار } { وأصحاب الجنة } ثم أورد الدليل على بطلان ملة قومهما بقوله : أأرباب ، فأبرز ذلك في صورة الاستفهام حتى لا تنفر طباعهما من المفاجأة بالدليل من غير استفهام .

وهكذا الوجه في محاجة الجاهل أن يؤخذ بدرجة يسيرة من الاحتجاج يقبلها ، فإذا قبلها لزمته عنها درجة أخرى فوقها ، ثم كذلك إلى أن يصل إلى الإذعان بالحق .

وقابل تفرق أربابهم بالواحد ، وجاء بصفة القهار تنبيهاً على أنه تعالى له هذا الوصف الذي معناه الغلبة والقدرة التامة ، وإعلاماً بعروّ أصنامهم عن هذا الوصف الذي لا ينبغي أن يعبد إلا المتصف به ، وهم عالمون بأن تلك الأصنام جماد .

والمعنى : أعبادة أرباب متكاثرة في العدد خير أم عبادة واحد قهار وهو الله ؟ فمن ضرورة العاقل يرى خيرية عبادته ،