فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{يَٰصَٰحِبَيِ ٱلسِّجۡنِ ءَأَرۡبَابٞ مُّتَفَرِّقُونَ خَيۡرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلۡوَٰحِدُ ٱلۡقَهَّارُ} (39)

قوله : { يا صاحبي السجن ءأَرْبَابٌ مُّتَّفَرّقُونَ خَيْرٌ أَمِ الله الواحد القهار } جعلهما مصاحبين للسجن لطول مقامهما فيه ، وقيل : المراد يا صاحبي في السجن ، لأن السجن ليس بمصحوب فيه ، وأن ذلك من باب يا سارق الليلة . وعلى الأوّل يكون من باب قوله : { أصحاب الجنة أصحاب النار } [ الأعراف : 42 ] { أصحاب النار } [ المائدة : 29 ] والاستفهام للإنكار مع التقريع والتوبيخ ، ومعنى التفرّق هنا هو التفرّق في الذوات والصفات والعدد أي : هل الأرباب المتفرقون في ذواتهم ، المختلفون في صفاتهم ، المتنافون في عددهم خير لكما يا صاحبي السجن ، أم الله المعبود بحق المتفرّد في ذاته وصفاته الذي لا ضدّ له ولا ندّ ولا شريك ، القهار الذي لا يغالبه مغالب ، ولا يعانده معاند ؟ أورد يوسف عليه السلام على صاحبي السجن هذه الحجة القاهرة على طريق الاستفهام ، لأنهما كانا ممن يعبد الأصنام . وقد قيل : إنه كان بين أيديهما أصنام يعبدونها عند أن خاطبهما بهذا الخطاب ، ولهذا قال لهما : { مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا } أي : إلا أسماء فارغة سميتموها ولا مسميات لها ، وإن كنتم تزعمون أن لها مسميات ، وهي الآلهة التي تعبدونها ، لكنها لما كانت لا تستحق التسمية بذلك صارت الأسماء كأنها لا مسميات لها .

/خ40