اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَٰصَٰحِبَيِ ٱلسِّجۡنِ ءَأَرۡبَابٞ مُّتَفَرِّقُونَ خَيۡرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلۡوَٰحِدُ ٱلۡقَهَّارُ} (39)

قوله تعالى : { ياصاحبي السجن } : يجوزُ أن يكون من باب الإضافة للظروف ؛ إذ الأصل : يا صاحبيّ في السِّجن ، ويجوز أن تكون من باب الإضافة إلى المشبه بالمعفول به ، والمعنى : يا سَاكِني السِّجن ، وذكر الصُّحبة ، لطُولِ مقامهما فيه ؛ كقوله تعالى : { أَصْحَابُ النَّارِ } [ الأعراف : 44 50 ] .

وقوله : { أَمِ الله } ، هنا : متًّصلةٌ ؛ عطفت الجلالة على " أرْبَابٌ " .

فصل

اعلم أنه عليه ا لصلاة والسلام لما أدَّعى النبوة في الآية الأولى ، وكان إثباتُ النبوة مبينًّا على إثبات الإلهيَّة ، لا جرم شرع في هذه الآيةِ في تقريرِ الإلهياتِ ، ولما كان أكثرُ الخلقِ مقرِّين بوجودِ الإله العالم القادر ، وإنما ا لشأنُ في أنهم يتخذُون أصناماً على صُورِ الأرواح الفكلية ، ويعبدونها ، ويتوقَّعُون حصول النَّفْعِ والضُّر منها ، لا جرم كان سعيُ أكثر الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم في المنع من هذه ، وكان الأمر على هذا إلى زمانِ يوسف صلوات الله وسلامه عليه وعلى الأنبياء والمرسلين .

فلهذا السبب ، شرع في ذكر ما يدلُّ على فسادِ العقول بعبادةِ الأصنام ؛ فقال : { أَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ الله الواحد القهار } ، والمراد منه الاستفهام على سبيل الإنكارِ ، وتقريرُ فساد القول بعبادة الأصنام : أنه تعالى بيَّن أن كثرة الآلهةِ توجب الخلل والفاسد في هذا العالم ؛ لقوله تعالى : { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا } [ الأنبياء : 22 ] فلمَّا قرَّر أنَّ كثرة الآلهة تُوجبُ الخلل والفساد ، وكونُ الإله واحدٌ ، يقتضي حصول الأنتظام ، وحسن الترتيب قال هاهنا : { أَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ الله الواحد القهار } .

وأما تقرير كون كثرةِ الآلهةِ ، توجب الخلل والفساد في العالم : إنَّه لو كان اثْنانِ أو ثلاثةُ ، لم نعلم من الذي خلقنا ، ورزقنا ، ودفع الآفاتِ عنَّا ؛ فيقع الشِّرْكُ في أنَّا نعبدُ هذا أم ذاك .

ومعنى : كونهم متفرقين ، أي : شتَّى ، هذا من ذهب ، وهذا من فضةٍ ، وها من حديدٍ ، وهذا أعلى ، وهذا أوسط ، وهذا أدْنَى ، متباينون لا تضر ولا تنفعُ .

{ خَيْرٌ أَمِ الله الواحد القهار } ، " الوَاحِدُ " : لا ثاني لهُ ، " القَهَّارُ " الغالبُ عل الكلِّ .