قوله تعالى : { تلك حدود الله } . يعني : ما ذكر من الفروض المحدودة .
قوله تعالى : { ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين } . قرأ أهل المدينة وابن عامر { ندخله جنات } ، و " ندخله ناراً " ، وفي سورة الفتح " ندخله ونعذبه " وفي سورة التغابن " نكفر " و " ندخله " وفي سورة الطلاق ( ندخله ) بالنون فيهن ، وقرأ الآخرون بالياء .
{ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } ويدخل في اسم المعصية الكفر فما دونه من المعاصي ، فلا يكون فيها شبهة للخوارج القائلين بكفر أهل المعاصي فإن الله تعالى رتب دخول الجنة على طاعته وطاعة رسوله . ورتب دخول النار على معصيته ومعصية رسوله ، فمن أطاعه طاعة تامة دخل الجنة بلا عذاب .
ومن عصى الله ورسوله معصية تامة يدخل فيها الشرك فما دونه ، دخل النار وخلد فيها ، ومن اجتمع فيه معصية وطاعة ، كان فيه من موجب الثواب والعقاب بحسب ما فيه من الطاعة والمعصية . وقد دلت النصوص المتواترة على أن الموحدين الذين معهم طاعة التوحيد ، غير مخلدين في النار ، فما معهم من التوحيد مانع لهم من الخلود فيها .
{ وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مّهِينٌ } .
يعني بذلك جلّ ثناؤه : { وَمَنْ يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ } في العمل بما أمراه به من قسمة المواريث على ما أمراه بقسمة ذلك بينهم وغير ذلك من فرائض الله مخالفا أمرهما إلى ما نهياه عنه ، { ويتعدّ حدودهُ } يقول : ويتجاوز فصول طاعته التي جعلها تعالى فاصلة بينها وبين معصيته إلى ما نهاه عنه من قسمة تركات موتاهم بين ورثته ، وغير ذلك من حدوده . { يدخلهُ نارا خالدا فيهَا } يقول : باقيا فيها أبدا لا يموت ولا يخرج منها أبدا . { ولهُ عذابٌ مهينٌ } يعني : وله عذاب مذلّ من عُذّب به مخز له .
وبنحو ما قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { وَمَنْ يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدّ حُدُودَهُ } . . . الاَية في شأن المواريث التي ذكر قبل . قال ابن جريج : ومن يعص الله ورسوله ، قال : من أصاب من الذنوب ما يعذّب الله عليه .
فإن قال قائل : أو يخلد في النار من عصى الله ورسوله في قسمة المواريث ؟ قيل : نعم ، إذا جمع إلى معصيتهما في ذلك شكا في أن الله فرض عليه ما فرض على عباده في هاتين الاَيتين ، أو علم ذلك ، فحاد الله ورسوله في أمرهما على ما ذكر ابن عباس من قول من قال حين نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم قول الله تبارك وتعالى : { يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أوْلادِكُمُ للذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الأُنْثَيَيْنِ } . . . إلى تمام الاَيتين : أيورث من لا يركب الفرس ، ولا يقاتل العدوّ ، ولا يحوز الغنيمة نصف المال أو جميع المال ؟ استنكارا منهم قسمة الله ما قسم لصغار ولد الميت ونسائه وإناث ولده ، ممن خالف قسمة الله ما قسم من ميراث أهل الميراث بينهم ، على ما قسمه في كتابه ، وخالف حكمه في ذلك وحكم رسوله ، استنكارا منه حكمهما ، كما استنكره الذين ذكر أمرهم ابن عباس ممن كان بين أظهر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين الذين فيهم نزلت وفي أشكالهم هذه الاَية ، فهو من أهل الخلود في النار ، لأنه باستنكاره حكم الله في تلك يصير بالله كافرا ومن ملة الإسلام خارجا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.