معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَوۡلَآ أَن ثَبَّتۡنَٰكَ لَقَدۡ كِدتَّ تَرۡكَنُ إِلَيۡهِمۡ شَيۡـٔٗا قَلِيلًا} (74)

قوله تعالى : { ولولا أن ثبتناك } على الحق بعصمتنا { لقد كدت تركن } أي : تميل ، { إليهم شيئاً قليلاً } أي : قريباً من الفعل . فإن : قيل : كان النبي صلى الله عليه وسلم معصوماً ، فكيف يجوز أن يقرب مما طلبوه وما طلبوه كفر ؟ قيل : كان ذلك خاطر قلب ، ولم يكن عزماً وقد غفر الله عز وجل عن حديث النفس . قال قتادة : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول بعد ذلك : " اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين " . والجواب الصحيح هو : أن الله تعالى قال : { ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً } وقد ثبته الله ، ولم يركن ، وهذا مثل قوله تعالى : { ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً } [ النساء – 83 ] وقد تفضل فلم يتبعوا .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَوۡلَآ أَن ثَبَّتۡنَٰكَ لَقَدۡ كِدتَّ تَرۡكَنُ إِلَيۡهِمۡ شَيۡـٔٗا قَلِيلًا} (74)

{ وَ } مع هذا ف { لَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ } على الحق ، وامتننا عليك بعدم الإجابة لداعيهم ، { لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا } من كثرة المعالجة ، ومحبتك لهدايتهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَوۡلَآ أَن ثَبَّتۡنَٰكَ لَقَدۡ كِدتَّ تَرۡكَنُ إِلَيۡهِمۡ شَيۡـٔٗا قَلِيلًا} (74)

ثم بين - سبحانه - بعض مظاهر فضله على نبيه صلى الله عليه وسلم فقال : { وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً } .

أى : ولولا تثبيتنا إياك - أيها الرسول الكريم - على ما أنت عليه من الحق والصدق ، بأن عصمناك من كيدهم لقاربت أن تميل ميلاً قليلاً ، بسبب شدة احتيالهم وخداعهم .

قال بعض العلماء : وهذه الآية أوضحت غاية الإِيضاح ، براءة نبينا صلى الله عليه وسلم من مقاربة الركون إلى الكفار ، فضلاً عن نفس الركون ؛ لأن { لولا } حرف امتناع لوجود ، فمقاربة الركون منعتها { لولا } الامتناعية لوجود التثبيت من الله - تعالى - لأكرم خلقه صلى الله عليه وسلم فاتضح يقينًا انتفاء مقاربة الركون - أى الميل - ، فضلاً عن الركون نفسه .

وهذه الآية تبين ما قبلها ، وأنه صلى الله عليه وسلم لم يقارب الركون إليهم مطلقاً . لأن قوله : { لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً } أى : قاربت تركن إليهم ، هو عين الممنوع بلولا الامتناعية .

ومما يشهد بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقارب الركون من مقترحات الكافرين ، قول ابن عباس - رضى الله عنهما - كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معصومًا ، ولكن هذا تعريف للأمة ، لئلا يركن أحد منهم إلى المشركين فى شئ من أحكام الله - تعالى - وشرائعه .

وعن قتادة أنه قال : " لما نزلت هذه الآية ، قال النبى صلى الله عليه وسلم " اللهم لا تكلنى إلى نفسى طرفة عين " " .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَوۡلَآ أَن ثَبَّتۡنَٰكَ لَقَدۡ كِدتَّ تَرۡكَنُ إِلَيۡهِمۡ شَيۡـٔٗا قَلِيلًا} (74)

{ ولولا أن ثبّتناك } ولولا تثبيتنا إياك . { لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا } لقاربت أن تميل إلى اتباع مرادهم ، والمعنى أنك كنت على صدد الركون إليهم لقوة خدعهم وشدة احتيالهم لكن أدركتك عصمتنا فمنعت أن تقرب من الركون فضلا عن أن تركن إليهم ، وهو صريح في أنه عليه الصلاة والسلام ما همّ بإجابتهم مع قوة الدواعي إليها ، ودليل على أن العصمة بتوفيق الله وحفظه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَوۡلَآ أَن ثَبَّتۡنَٰكَ لَقَدۡ كِدتَّ تَرۡكَنُ إِلَيۡهِمۡ شَيۡـٔٗا قَلِيلًا} (74)

وقوله { لولا أن ثبتناك } الآية ، تعديد نعمة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية قال «اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين »{[7648]} و «الركون » شد الظهر إلى الأمر أو الحزم على جهة السكون إليه ، كما يفعل الإنسان بالركن من الجدران ومنه قوله تعالى حكاية . { أو آوي إلى ركن شديد }{[7649]} ، وقرأ الجمهور «تركَن » بفتح الكاف ، وقرأ ابن مصرف وقتادة وعبد الله بن أبي إسحاق «تركُن » بضم الكاف ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يركن ، لكنه كاد بحسب همه بموافقتهم طمعاً منه في استئلافهم ، وذهب ابن الأنباري إلى أن معناه لقد كاد أن يخبروا عنك أنك ركنت ، ونحو هذا ذهب في ذلك إلى نفي الهم بذلك النبي عليه السلام ، فحمل اللفظ ما لا يحتمل ، وقوله { شيئاً قليلاً } يبطل ذلك ، وهذا الهم من النبي عليه السلام إنما كانت خطرة مما لا يمكن دفعه ، ولذلك قيل { كدت } ، وهي تعطي أنه لم يقع ركون ، ثم قيل { شيئاً قليلاً } إذ كانت المقاربة التي تتضمنها { كدت } قليلة خطرة لم تتأكد في النفس ، وهذا الهمّ هو كهمّ يوسف عليه السلام ، والقول فيهما واحد .


[7648]:أخرج أبو داود في الأدب، وأحمد في مسنده (5 ـ 42 ، 50)، عن عبد الرحمن ابن أبي بكرة أنه قال لأبيه: يا أبت، إني أسمعك تدعو كل غداة: اللهم عافني في بدني، اللهم عافني في سمعي، اللهم عافني في بصري، لا إله إلا أنت، تعدها ثلاثا حين تصبح، وثلاثا حين تمسي، وتقول: اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، لا إله إلا أنت، تعيدها حين تصبح ثلاثا، وثلاثا حين تمسي، قال: نعم يا بني، إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بهن، فأحب أن استن بسنته، قال: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، أصلح شأني كله، لا إله إلا أنت). لكن هذه الرواية لا تثبت ما ذكره ابن عطية من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك عندما نزلت الآية الكريمة، إلا أنها أيضا لا تنفي ذلك، فقد ذكر الراوي أنه سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو بكذا، وأنه عليه الصلاة والسلام قال كذا، فتأمله. ورواية المؤلف عن قتادة. وقد أخرجها ابن جرير الطبري بسنده، عن محمد بن بشار، عن سليمان، عن أبي هلال، عن قتادة رضي الله عنه. وقد ذكرها أبو حيان في البحر المحيط نقلا عن الطبري.
[7649]:من الآية (80) من سورة (هود).