تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَوۡلَآ أَن ثَبَّتۡنَٰكَ لَقَدۡ كِدتَّ تَرۡكَنُ إِلَيۡهِمۡ شَيۡـٔٗا قَلِيلًا} (74)

الآية74 : ثم قوله : { ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا } ظاهر{[11118]} الآية يرد جميع ما قال أهل التأويل في هذه الآية ، يقول : { ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم } .

أخبر أنه ، وقد ثبته ، فلم يركن ، لأنه أخبر أنه قد ثبته ، فلم يكد يركن إليهم ، وقال : { شيئا قليلا } سَمَّى ذلك شيئا يسيرا . ولو كان ما قال أولئك لكان شيئا كبيرا عظيما ، بل يبلغ الكفر ، دل أنه لم يكن ما ذكروا .

وقال : { لقد كدت تركن }وكاد ، هو حرف ( بمعنى ){[11119]} قارب أن يركن كقوله : { تكاد السماوات } أي تقارب{[11120]} أن { يتفطرن منه } { مريم : 90 } وليس فيه أنه ركن إليهم . فقولهم فاسد للوجوه التي ذكرنا { شيئا قليلا } .

وما قالوا كثير عظيم ( لوجوه : أحدهما ){[11121]} : يخاف أن يبلغ الكفر .

والثاني : قال { كدت } وهو حرف تقارب .

والثالث : ذكر على الشرط : { ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا } فلم يركن لما ثبته ، وهو ما قال إبراهيم : { بل فعله كبيرهم هذا فسألوهم إن كانوا ينطقون } ( الأنبياء : 63 ) وما ذكرنا في قصة يوسف : { ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه }( يوسف : 24 ) فليس فيه أنه هم ، ولا فيه أنه ، ركن ، لأنه خرج على الشرط .

وقال الحسن في قوله : { لقد كدت ترك إليهم } أي هَمَمْتَ ، لكنه هَمََّ به هَمَّ خطر ، خطره إبليس .

كذلك في قصة يوسف : { ولقد همت به } هَمَّ عزم { وهم بها } همََّ خطر( الآية : 24 ) .

وقال غيره : أرادوا منه أن يجعل لهم مجلسا على حدة ليسلموا ، فهم به أن يفعل ذلك لحرصه على إسلامهم وإشفاقا عليهم . فمثل هذا يجوز الفعل . إلا أن الرسل لا يجوز لهم أن يفعلوا شيئا ، وإن صغر إلا بإذن الله . ألا ترى أن يونس لما خرج من عند قومه مغاضبا عليهم بغير إذن منه عاتبه ربه معاتبة عظيمة حين{[11122]} قال : { فلولا أنه كان من المسبحين }{ للبث في بطنه إلى يوم يبعثون } . ( الصافات : 143و144 ) .

ومثل هذا لو فعله غيره من دونه{[11123]} كان ممدوحا محمودا في ذلك . فهذا يدل على أن الأنبياء لم يكن لهم صنع شيء ، وإن قَلَّ ، إلا بإذن الله ، والله أعلم .


[11118]:في الأصل و.م : فظاهر.
[11119]:ساقطة من الأصل و.م.
[11120]:في الأصل و.م : قارب.
[11121]:ساقطة من الأصل و.م.
[11122]:في الأصل و.م : حيث.
[11123]:في الأصل و.م : دونهم.